الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
لا حرج في طلب المسلم الدعاء من غيره، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ) رواه مسلم.
يقول الإمام النووي رحمه الله في كتاب "الأذكار" (ص/40): "باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه، والدعاء في المواضع الشريفة. اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر، وهو مُجْمَعٌ عليه".
ويتأكد جواز طلب الدعاء ممن يُظن به الصلاح، سواء تصدق عليه أم لا، ولكن لا يلزم أن يكون كل فقير صالحًا، فكثير من الفقراء بعيدون عن الله سبحانه؛ فالأولى طلب الدعاء ممن عُرِفَ بالخير والصلاح، أو غلب على الظن فيه ذلك، وليس ممن عليه مظاهر الفقر والمسكنة.
وفي جميع الأحوال لا يُقَصِّر في سؤال الله تعالى حاجته بنفسه، فقد قال عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186.
والأفضل أن تكون الصدقة خالصة لله عز وجل لا لأجل أن يدعو له الفقير؛ كي ينال المتصدق الثواب كاملاً، وإلا نقص من أجره بقدر ما اعتاض به من الدعاء. قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) الإنسان/9.
وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول لمن ترسله: "اسمع ما دعوا به لنا؛ حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا ويبقى أجرنا على الله". وقال بعض السلف: "إذا أعطيت المسكين فقال: بارك الله عليك. فقل: بارك الله عليك". أراد أنه إذا أثابك بالدعاء؛ فادع له بمثل ذلك الدعاء حتى لا تكون اعتضت منه شيئًا. والله أعلم.