الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الوقف باب عظيم من أبواب الخير، وهو من أعظم أنواع الصدقات فهو صدقة جارية ثوابها دائم لا ينقطع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وهذا ما أدركه الصحابة رضوان الله عليهم، فقد أوقف معظم الصحابة من أموالهم على مصالح المسلمين، ففي صحيح البخاري: قام أبو طلحة فقال: "يا رسول الله، إن الله يقول: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) آل عمران/92، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله".
وأوقف عمر رضي الله عنه أرضًا له بخيبر، روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها). قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث".
وقال جابر رضي الله عنه: "ما أعلم أحدًا كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من صدقة مؤبدة، لا تشترى أبدًا، ولا توهب، ولا تورث".
وقد أجمع العلماء على جواز الوقف الذي يُحقِّق المنفعة والمصلحة للمسلمين، كالوقف على المستشفيات والمدارس والمساجد، وقال الإمام العمراني: "يصح الوقف في كل عين يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، كالدور والأرضين والثياب والأثاث والسلاح والحيوان" "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (8/ 60).
وقد جاء في قرار مجلس الإفتاء رقم (142): "وأما الصدقات الطوعية غير الواجبة فيجوز إعطاؤها للفقراء وغيرهم، وأما كونها من الصدقة الجارية، فقد حمل العلماء الصدقة الجارية على الوقف، وكل ما يدوم نفعه، ونسأل الله تعالى أن يكون التعليم للطلبة المحتاجين من باب الصدقة الجارية التي يدوم نفعها للأمة".
وبناء على ما سبق، فإن التبرع بأجهزة الحاسوب والطابعات ليستفيد منها الفقراء، وفي سائر أعمال الخير والبر، نرجو الله أن يكون من وجوه الوقف، وأن يكون صدقة جارية ثوابها لا ينقطع لمن تصدق بها، بشرط أن لا يكون ذلك التبرع من أموال الزكاة المفروضة؛ لأن للزكاة مصارف خاصة بها لا يجوز تعديها إلى غيرها. والله أعلم.