الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
ندب الشارع إلى تسوية صفوف المصلين وسد الفُرَج في صلاة الجماعة؛ والحكمة فيه ترابط قلوب المصلين وجمعهم بنظام واحد؛ وذلك من إقامة الصلاة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ) متفق عليه. قال ابن عبد البر: "وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق شتى صحاح ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسويةَ الصفوف، وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده" "الاستذكار" (2/ 288).
وقال الخطيب الشربيني: "يُسنُّ سد فُرَج الصفوف، وأن لا يُشرع في صف حتى يَتِمَّ الأولُ، وأن يُفسح لمن يريده، وهذا كله مستحب لا شرط؛ فلو خالفوا صحَّت صلاتهم مع الكراهة" "مغني المحتاج" (1/ 493).
ولكن لا ينبغي أن يُتكلف في هذه المسألة ويُغالى فيها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ) رواه أبو داود. قال الإمام الخطابي: "معنى لين المنكب: لزوم السكينة في الصلاة، والطمأنينة فيها لا يلتفت ولا يُحاك بمنكبه منكب صاحبه، وقد يكون فيه وجه آخر، وهو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان، بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف وتتكاتف الجموع" "معالم السنن" (1/ 184)، ولكي يحافظ المصلي على اعتداله فقد ذكر الفقهاء أنه ينبغي أن تكون المسافة بين قدمي المصلي مقدار شِبْر، سواء عند القيام أو الركوع أو السجود؛ جاء في "مغني المحتاج" (1/ 375): "يُفرِّقُ الذكرُ ركبتيه وبين قدميه قَدْرَ شِبْر".
وينبغي التنبيه إلى أن منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام قام على الرحمة والتبشير والتيسير، فلا يجوز لأحد أن يدعي السير على خطاه ثم يقوم بالتضييق على الناس وتنفيرهم من الدين، وإنما الواجب على كل داعية أن يقرب الناس بالحكمة والموعظة الحسنة. والله أعلم