الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حكم دفع الأجرة لمن يشتغل بالعلاج بالرقية فيه تفصيل:
1- إذا كان المشتغل بالرقية من السحرة أو الكهنة أو المشعوذين أو ممن تحوم الشبهات حول ديانتهم وأمانتهم: فهؤلاء لا يجوز دفع المال إليهم، بل يحرم الذهاب إليهم، ويجب الحذر منهم.
2- أما إذا كان المشتغل بالرقية ملتزما بالرقية الشرعية، ومجتنبا للرقية المحرمة: فلا حرج أن يذهب الناس إليه، ولا حرج عليه أن يأخذ على ذلك جعلا - أي: قدرا من المال -، وأن يأخذ ثمن الماء والعسل مما يقرأ عليه، بشرط أن يبين له ثمنه قبل إعطائه له.
والدليل على ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ - يعني طلبوا منهم الضيافة - فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ. فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -يعني سورة الفاتحة - فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟! ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) متفق عليه. وفي حديث ابن عباس مرفوعا: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) رواه البخاري (5737)
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "تجوز الجعالة على الرقية بجائز" انتهى. "تحفة المحتاج" (6/372)
ولكي تكون الرقية شرعية لا بد أن تجتمع فيها شروط ثلاثة:
1- أن تكون بالقرآن والأذكار والدعاء أو الكلام المباح.
2- وأن تكون باللغة العربية، ولا تشتمل على كلمات غير مفهومة، ولا على رموز ولغات أخرى.
3- أن لا ينسب الشفاء إليها، وإنما ينسب إلى الله عز وجل.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "لا يجوز لأحد أن يستعمل رقية - سواء كانت من كافر أو غيره - إلا إذا علم أنها غير مشتملة على كفر أو محرم، والدليل على ذلك أن الصحابة لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن رقاهم لم يأذن لهم فيها حتى أمرهم بأن يعرضوها عليه، فعرضوها عليه، فقال: لا بأس.
وحيث كان في الرقية اسم سرياني مثلا لم يجز استعمالها قراءة ولا كتابة إلا إن قال أحد من أهل العلم الموثوق بهم: إن مدلول ذلك الاسم معنى جائز؛ لأن تلك الأسماء المجهولة المعنى قد تكون دالة على كفر أو محرم، كما صرح به أئمتنا، فلذلك حرموها قبل علم معناها" انتهى. "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/37)
ولا يفوتنا التنبيه هنا إلى أنه يحرم على المرأة الذهاب إلى الرجل الذي يداوي بالرقى، بل ترقي نفسها بنفسها أو تطلب الرقية ممن تثق بها من النساء الصالحات. والله أعلم.