الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اختلف العلماء في حكم وصف العبد بأنه يعشق الله عز وجل، وذلك على قولين:
القول الأول: جواز هذا الإطلاق؛ لأن العشق في اللغة -كما جاء في "القاموس" (ص/909)-: "عجب المحب بمحبوبه، أو إفراط الحب". وقال الثعالبي في "فقه اللغة" (ص/129): "هو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب" انتهى.
فإذا أطلق من جهة محبة العبد لله، وأريد به الدلالة على المبالغة في محبة الله سبحانه وتعالى، مع تنزيهه عز وجل عن المعاني السلبية التي قد توحيها هذه الكلمة مما يكون بين الناس؛ فلا حرج في ذلك.
وعليه يُحمل ما نجده في كتب العلماء من استعمال هذه الكلمة، كما يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "اعلم أن من عرف الله أحبه لا محالة، ومن تأكدت معرفته تأكدت محبته بقدر تأكد معرفته، والمحبة إذا تأكدت سميت عشقًا، فلا معنى للعشق إلا محبة مؤكدة مفرطة، ولذلك قالت العرب: إن محمدًا قد عشق ربه؛ لما رأوه يتخلى للعبادة في جبل حراء" انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/ 280).
القول الثاني: منع هذا الإطلاق؛ حملاً للعشق على أنه إفراط الحب بالقدر المفسد للطبع، كما يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: "لا يجوز أن يُنسب إلى الله تعالى أنه يعشق ويُعشق؛ لأن العشق فساد في الطبع محيل لما لا وجود له. قال الأطباء: هو مرض سوداوي وسواس، يجلبه صاحبه إلى نفسه بالفكر في حسن الصور والشمائل، فمن أطلق هذا على محبته لله عُزِّر، وإطلاقه على محبة الله إياه أقبح وأعظم، فيعزر تعزيرًا أعظم من تعزير من أطلق هذا اللفظ علىَ محبته لربه؛ إذ لا يوصف الإله إلا بأوصاف الكمال ونعوت الجلال التي ورد استعمالها في الشرع، فقال بعضهم: لا يُعبَّر عن ذاته ولا عن صفاته إلا بما عبَّر به عنها. وقال آخرون: بل يجوز ذلك إذ لم يثبت المنع في كتاب ولا سنة، ومثال ذلك أن يقول: الله يعرف ويدري. مكان قول: الله يعلم.
والفرق بين العشق والمحبة: أن العشق فساد يخيل أن أوصاف المعشوق فوق ما هي، ولا يتصور مثل هذا في حق الإله الذي يرى الأشياء ويعلمها على ما هي عليه، وكذلك لا يُطلَق على حب العبد للرب؛ لاستعارة أنه يخيل للعاشق فوق كمال المعشوق، والله لا يفوقه أحد على كماله، فضلاً أن نتخيل أنه فوق كماله" انتهى من "فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/192). والله أعلم.