الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
قيام الليل من أعمال المقربين؛ فقد وصفهم الله عز وجل في كتابه بقوله: (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذاريات/17-18، وحث النبي صلى الله عليه وسلم عليه ورغّب فيه، فجاء في الحديث: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) رواه الترمذي.
وهو يُطلَق على كل نافلة تُصلَّى في الليل، فلو صلَّى نافلة بعد العشاء كانت صلاته من القيام، وأما التهجد فهو صلاة النافلة في الليل بعد الاستيقاظ من النوم تطوعًا لله عز وجل.
وقيام جزء من الليل جائز، سواء النصف أو الثلث، وإنما يكره قيام الليل كله على وجه الدوام، وأفضل أوقات الليل السدس الرابع والخامس إن قُسم أسداسًا، فإن قُسم نصفين فأفضله الأخير، أو أثلاثًا فالأوسط.
قال الشيرازي رحمه الله: "آخر الليل أفضل من أوله؛ لقوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، ولأن الصلاة بعد النوم أشق، ولأن المصلين فيه أقل فكان أفضل، فإن جزأ الليل ثلاثة أجزاء فالثلث الأوسط أفضل؛ لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ)، ولأن الطاعات في هذا الوقت أقل فكانت الصلاة فيه أفضل، ويُكره أن يقوم الليل كله؛ لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أَتَصُومُ النَّهَارَ)؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (وَتَقُومُ اللَّيْلَ)؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)" انتهى من "المجموع" (4/ 43). والله أعلم.