الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
من أعظم المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية: تحرير العبيد، وإلغاء الرق، وتجفيف أسبابه ما أمكن.
وشُرعت في سبيل ذلك الكثير من التشريعات التي يتحقق بها هذا المقصد؛ فكان تحرير الرقيق من أفضل القربات عند الله، كما قال تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) البلد/11-14.
وكانت الكفارات جميعها يدخل فيها إعتاق العبيد، بل كانت القاعدة العامة التي جاءت نورًا للبشرية كلها، ونطق بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".
وهكذا بدأ الإسلام يتدرج في محو ظاهرة الرق، وتغيير ما سارت عليه الأمم لقرون متطاولة من الزمان، وهكذا كانت سياسة التغيير في الإسلام، التدرج الذي يراعي الزمان والمكان، كما روى البخاري في "صحيحه" (رقم/4993) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: "... إنما نزل أول ما نزل منه -أي القرآن- سورة من المُفَصَّل، فيها ذِكْرُ الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا. لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) القمر/46، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده".
فقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/5-7، لم يرد ما ينسخه؛ وذلك مراعاة لسياسة التدرج التي سبق ذِكْرُها، ولكن جاءت التشريعات التي تُقَلِّل من ظاهرة (مِلْك اليمين) وتُقَنِّنها على الوجه الذي يؤول إلى زوالها وإلغائها. والله أعلم.