الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل أن يكون صرف التبرعات حسب نية المتبرع وشرطه؛ لأن المتبرع بمنزلة الواقف، والأصل التزام شرط الواقف؛ فلا يُصرف المال إلا حيث أراد.
قال الإمام الجويني رحمه الله تعالى: "الرجوع إلى شرط الواقف في الصفات المرعية في الاستحقاق، وفي الأقدار المستحقَّة والترتيب والجمع؛ فإن الواقف هو المفيد، وله الخِيَرةُ في كيفية الإفادة وقدرها" "نهاية المطلب" (8/ 362).
وقال الإمام الشيرازي رحمه الله تعالى: "تُصرف الغلة على شرط الواقف من الأثرة، والتسوية والتفضيل، والتقديم والتأخير، والجمع والترتيب، وإدخال من شاء وإخراجه بصفة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وقفوا وكتبوا شروطهم" "المهذب" (2/ 328).
وبناءً عليه، فإن التبرعات التي تُجمع لغرض معين لا يجوز أن تُصرف في غير ذلك الغرض، فإذا تبرع متبرع لإنشاء بئر في المسجد جُعل فيه، ولا يجوز صرفه في غيره، إلا بعد استئذانه، فإنْ تعذر الاستئذان، ولم يكن المسجد بحاجة إلى بئر فلا مانع من صرف المال في أمر مشابه له بإذن الجهة المسؤولة عن الوقف؛ لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
وكذلك لا يجوز صرف التبرعات التي تُجمع للمسجد في سكن الإمام؛ لأنه ليس جزءاً من المسجد، إلا إذا نوى المتبرع ذلك أو كان جمع التبرعات لسكن الإمام خاصة، مع ضرورة إعلام المتبرعين بذلك، وأما استعمالها في البئر فهو جائز؛ لأن البئر جزء من المسجد تجري عليه أحكامه. والله تعالى أعلم.