الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل في العطف (بالواو) أنه يقتضي مطلق الاشتراك في الحكم، سواء على وجه الانفراد أم على وجه الجمع، فإذا قلت: لا تأكل الخل والملح، فالأصل أنك تعني المنع من أكل الخل، والمنع أيضاً من أكل الملح، سواء كانا منفردين أم مجتمعين، إلا إذا وردت قرينة تدل على إرادة (الجمع بينهما معاً).
يقول إمام الحرمين رحمه الله: "... وأما مَنْ زَعَمَ أنها للجمع فهو أيضاً متحكم، فإنا على قَطْعٍ نعلم أن من قال: (رأيت زيداً وعمراً) لم يقتضِ ذلك أنه رآهما معاً. فإذن مقتضى الواو: العطف والاشتراك، وليس فيه إشعار بجمع ولا ترتيب. نعم قد ترد في غير غرض المسألة بمعنى الجمع، إذا قلت: (لا تأكلِ السمك وتشربَ اللبن) أي لا تجمع بينهما، ومنه قول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
فلا تكون الواو عاطفة في ذلك، فإنْ أردت العطف قلت: (لا تأكلِ السمك وتشربِ اللبن) وأنت تعني النهي عن كل واحدة منهما، والمعنى: لا تأكل السمك، ولا تشرب اللبن. وتَرِدُ الواو في باب المفعول معه بمعنى (مع) تقول: (استوى الماء والخشبة)" انتهى من "البرهان" (1/ 51).
وقد اعتمد كلامه أكثر الأصوليين المحققين، ينظر "حاشية العطار على شرح المحلي" (1/ 461)، "نهاية السول" (ص/141).
وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: "وهو المختار، أنها لمطلق الجمع، لا تدل على ترتيب ولا معية، فإذا قلت: (جاء زيد وعمرو) فقد أشركت بينهما في الحكم من غير تعرض لمجيئهما معاً أو لمجيء أحدهما بعد الآخر، فهي للقدر المشترك بين الترتيب والمعية، وهذا ما نقله القاضي أبو الطيب في شرح الكفاية عن أكثر أصحابنا" انتهى من "الإبهاج" (1/ 338).
وأما المصطلحان الواردان في السؤال: (جمع المجموع) و(جمع الجميع) فلم نجدهما في كتب أهل العلم. والله أعلم.