هذه الآية ضرب الله تعالى فيها مثالًا لنوره. فهو عزّ وجلّ سبب وجود النور الحسِّي والمعنويِّ في السموات والأرض. وقد شبّه نوره الذي ملأ السماوات والأرض بنور مصباح يوقد بزيتٍ صافٍ؛ لأن زيتونته لا تتعرَّض للريح الغربيَّة ولا الشرقيَّة المؤذيتين، والشجرة إذا كانت هكذا يكون زيتها أصفى أنواع الزيت، ولذا تكون شعلة السراج الذي يوقد منه صافية، ثم إن هذه الشعلة تتوقَّد داخل زجاجة صافية تحجب عنها الريح كيلا تطفأ ولا تتذبذب، وبنفس الوقت تسمح للنور بأن يخرج كاملًا إلى ما حولها، وهذا المصباح بهذه المواصفات الممتازة يضيء كوة صغيرة في حائط غير نافذ، فكيف تكون قوة النور في تلك الكوة، وقد نصَّ العلماء على أن هذا من باب تشبيه الأعلى بالأدنى؛ لأن العقل البشري في ذلك الزمن لم يكن يتصوَّر إضاءة في الظلام أشدَّ من هذه الإضاءة، وقد علّم الله تعالى الإنسان وسائل جديدة للإضاءة، ومع ذلك فمهما بلغت قوّتها فهي لا تصل إلى قوة نور الله تعالى، ولا إلى نور بعض مخلوقاته كالشمس، ولكن الخطاب كان بما يعرفه أهل ذلك الزمان.
هذا النور الحسِّيّ، أما النور المعنويّ فلا تُحصر أنواعه ولا حدوده، نسأل الله تعالى أن ينوِّر قلوبنا بنور معرفته، وينوِّر قلوبنا بنور رحمته.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى تفسير القرآن/ فتوى رقم/16)