اسم المفتي : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (المتوفى سنة 1432هـ)

الموضوع : كيف يكون إعداد المجاهدين؟

رقم الفتوى : 2632

التاريخ : 06-08-2012

السؤال :

لا يتحقق النصر في المعركة لأي جيش إلا إذا كان إعداد المقاتلين إعدادًا متكاملاً، فما هي في نظركم عوامل إعداد المقاتل المسلم الذي يتحقَّق على يديه النصر بإذن الله تعالى؟

الجواب :

إعداد المجاهد لخوض المعركة له عدة نواحي: منها اللياقة البدنية؛ ليكون قادراً على تحمل ظروف المعركة، ومنها المهارة في استعمال السلاح، ومنها القدرة على العمل ضمن مجموعة، وهذه كلها قد اعتنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وأصبحت اليوم علوماً لها مدارسُها ودوراتُها العديدة، والأخذ بهذه العلوم والتَمَرُس بهذه الفنون واجب شرعًا، لأنه داخل في قول الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الأنفال/60.

وإلى جانب هذا الإعداد الخارجي هناك إعداد داخلي لا بدَّ منه؛ لأن المجاهد يُغامر بروحه فإذا لم تكن له قناعة تجعله يبذل هذه الروح بسخاء، فإنه قد يُحجم في الوقت الحرج ويؤدي إحجامه إلى كارثة تَحُل به وبالأمة؛ لأن الإحجام لا يدفع الأجل لكنه يُوهن الصف أمام العدو.

ولقد تعدَّدت الأساليب لغرس هذه القناعة في نفس المقاتل وكلها تتضاءل أمام قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) التوبة/52، إنّ الإيمان بالشهادة وإدراك معنى الشهادة يُغيران نفسية المؤمن، ويجعلانه يطلب الموت في المعركة بدلاً من أن يخشاه، ويجعلانه يتصدى للمخاطر بدلا من أن يتولى عنها، ولا توجد عقيدة على وجه الأرض تستطيع أن تفعل في هذا المجال كما يفعل الإسلام؛ لأن الله وعد الشهيد بالحياة الأبدية السعيدة، وجاء الوعد في مُحكم القرآن العظيم نصاً واضحاً لا لُبس فيه، قال الله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) البقرة/154، وثقة المؤمن بكتاب الله أكبر من ثقته بما تراه عيناه، وهذا يفسر لنا سر البطولات التي يحفل بها تاريخ أمتنا الإسلامية، ولا بدّ من إحياء هذه الروح في نفوس أبناء أمتنا، لا لغرض قريب هو إحراز النصر على الأعداء فقط؛ بل لأن الشهادة باب السعادة الأبدية التي يحرص عليها كل مؤمن، ويتمناها كل موقن بلقاء الله عزّ وجلّ، وهذا يحتاج إلى تربية تتضافر عليها كل الجهات المسؤولة عن التربية.

إن عدوَّنا مهما تفوَّق ماديّاً فيه نقطة ضعف قاتلة لا تنفع معها قوتهم الماديّة، ألا وهي الخوف من الموت، ولذا يجب استغلالها بإحياء عقيدةِ حبِّ الشهادة في قلوبنا، ويُفسِّر هذا قول خالد بن الوليد لقادة العدوِّ: "أتيتكم برجال يحبُّون الموت كما تحبُّون الحياة"، ونقطة الضعف هذه في الكفّار يكشف عنها القرآن الكريم بقوله: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) النساء/104، وهي التي حذَّر منها الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله في تفسير الوهن: (حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) رواه أبو داوُد.

و لا تخلو الأمّة الإسلامية من مؤمنين يحبُّون الشهادة لكنهم يقلُّون ويكثرون، وعلينا أن نعمل على تكثير أعدادهم بإذكاء حبّ الشهادة في سبيل الله وفي سبيل الله فقط.

لقد أَلبس البعض ثوب الشهادة لمن ليسوا بشهداء، ولكن العلامة المميزة هي قول النبي عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ) متفق عليه.

"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الجهاد / فتوى رقم/1)