الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اختلف العلماء في مضاعفة أجر الصلاة الوارد في حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) رواه أحمد في "المسند" (23/ 415).
فقال بعض العلماء: إن المقصود مضاعفة أجر الصلاة في جميع مكة، وقيل بل الحرم كله. وقال آخرون: إن المقصود هو المسجد الحرام فقط، دون سائر الحرم. وهذا القول هو الذي اعتمده العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله؛ إذ نَصَّ الحديثُ على (المسجد الحرام)، ولو كان الأجر شاملاً الحرم كله لقال: (صلاة في الحرم)، أو (في مكة)، وقياس الحرم كله على المسجد الحرام في هذه المسألة لا دليل عليه، بل جاءت بعض الروايات صريحة في تسمية المسجد بـ(مسجد الكعبة) كما في "صحيح مسلم"، وفي هذا نص على تخصيص المضاعفة بالمسجد الحرام، وليس في مكة كلها.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "دلت الأخبار على أن الصلاة -أي بالمسجد الحرام على الأصح، وقيل بكل الحرم- امتازت على الكل بمضاعفة كل صلاة" انتهى من "تحفة المحتاج" (4/ 65).
وقال أيضاً: "والمراد به: الكعبة والمسجد حولها مع ما زيد فيه. وقيل: جميع الحرم" انتهى (10/ 95).
وقد نقل الشرواني في حاشيته على هذا الكلام عن "فتاوى النووي" أنه اختار القول بمضاعفة الصلاة في جميع الحرم. وما وجدناه في كتاب "المجموع" (3/ 189-190) يدل على قصر المضاعفة على المسجد نفسه، حيث يقول رحمه الله: "واعلم أن المسجد الحرام قد يطلق ويراد به الكعبة فقط، وقد يراد به المسجد وحولها معها، وقد يراد به مكة كلها، وقد يراد به مكة مع الحرم حولها بكماله -ثم قال- ومن الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد... إلى آخره" انتهى. وهو ما نقله عنه الإمام الزركشي. يُنظر: "إعانة الطالبين" (2/ 409)، و"الموسوعة الفقهية" (37/ 239-240). والله أعلم.