اسم المفتي : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (المتوفى سنة 1432هـ)

الموضوع : هل للصوفية عقيدة خاصة بهم تخالف أهل السنة والجماعة

رقم الفتوى : 2602

التاريخ : 06-08-2012

السؤال :

ما مدى مشروعية التصوّف، وما رأي العلماء في الصوفية الأوائل كالجنيد وغيره، وهل للصوفية عقيدة خاصة بهم تخالف أهل السنة والجماعة، وما حكم من يكفر الجميع أو يُشّهر بهم؟

الجواب :

 1.أما مدى مشروعية التصوّف:

فيجب أن نحدد معنى التصوّف أولا، وقد عرَّفه بعض علمائه بأنه: العمل بالعلم، وقال لو أن الفقهاء عملوا بعلمهم لكفونا.

وعرفه بعضهم بأنه قلع الأخلاق الذميمة وغرس الخلاق الحميدة، وهو ما يُسمى بالتخلية والتحلية. وعرّفه بعضهم بأنه الأخلاق، فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في التصوّف. فهو بهذا أسلوب تربوي لتطبيق الأحكام الشرعية الظاهرة والباطنة، والأساليب التربوية تختلف في ظاهرها والمقصود واحد، وهذا ما نجده في كتبهم، فإذا فهمناه بهذه المعاني لا يشك مسلم بعد ذلك في أنه خير وبركة وعمل بمقتضى الإسلام. ولا يهمّنا بعد ذلك من أين جاءت كلمة (التصوّف).

 لكن لا ننكر أن البعض انحرف في فهم التصوّف، فجعل فيه حلولًا، واتحاداً، وإباحية، وإسقاطاً للتكليف، وكلاماً لا يُقرّه الإسلام، وهؤلاء يجب التبرِّي منهم، فهم ليسوا مسلمين أصلاً، والدفاع عنهم دفاع عن الباطل، والتماس الوجوه البعيدة في تأويل كلامهم إقرار خفيٌّ بما يقولون، وهم الذين شوّهوا التصوّف، ولولاهم لما تجرّأ أحد على ذمّ أهل التصوّف، فهم أول أعداء التصوّف.

2.أما الإمام  الجنيد البغدادي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والسيد أحمد الرفاعي وأمثالهم، فهم من أعلام الأمّة الإسلاميّة، وبمراجعة كتب التراجم يظهر ما كان لهم من شأن كريم، وتقدير عظيم، عند علماء الأمّة المعاصرين لهم، واللاحقين رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بحبّهم آمين.

3. الذي يكفّر كل الصوفية وينسبهم إلى الشرك متعجّل في حكمه، ولو تريّث لفرّق بين صالحهم وطالحهم، وصادقهم والمدّعي منهم، فالذمّ مطلقاً خطأ، والمدح مطلقاً خطأ، والتفصيل أولى، فيُقال من اعتقد كذا فهو محق، ومن اعتقد كذا فهو مبطِل، ويُذكر الرجل الصالح بما فيه ليُتَّبع، ويُذكر المجاهر بالضلال ليحذره الناس.

4.أما عقائد أهل التصوّف فهي عقائد أهل السنة والجماعة، ومنهم من يسلك في فهم العقيدة مسلك الحنابلة، ومن هؤلاء الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه الغُنية، ومنهم من يسلك مسلك الأشاعرة ومن هؤلاء الإمام الغزالي. ومن دقق في عقائد الأشاعرة والحنابلة وجد الأمر قريباً، وهو اختلاف في طريقة التعبير عن الشيء الواحد، أو على الأقل وجهتي نظر لكل منهما ما يبرِّرها. وتنزيه المولى عمّا لا يليق به محل اتفاق، ومن أحبّ الخلاف نفخ في هذه المسائل فكبّرها ونحن نعتقد بالجميع الخير، والذين ذمّوا الأشاعرة والحنابلة لم يستوعبوا كلامهم؛ لأنهم سمعوا حجة طرف، ولم يسمعوا من الطرف الآخر.

5. لا يجوز التشهير بالمسلمين، ولا الافتراء عليهم، ولا تصديق كل ما يقال عنهم، وإذا قدّمنا حسن الظن بالمسلمين اتضحت لنا الأمور، وحملناها على محمل حسن، وعندها يكون التشهير بأهل الكفر الصُراح؛ لكي يتجنبهم الناس، ويحذروا المزالق التي وقعوا فيها.

ونحن بحاجة إلى تنقية الصفوف ورصها، وفي سبيل ذلك لا بدَّ من الاتفاق على نبذ الذين حرفوا الدين وشوهوا سمعة المسلمين وعقائدهم.

ولو توفر الإنصاف وتخلينا عن حب الظهور والعصبية بالباطل وتذكرنا قول الله تعالى:      (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف/19، لهان الأمر وأمكن الاتفاق، لكن يبدو أننا وصلنا إلى الزمن الذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.

ولا شك أن الغلوّ من جهة يؤدي إلى التطرف من الجهة الأخرى والله المستعان. وقد ظلم التصوف من طائفتين، الأولى: طائفة الذين شوهوه بأفعالهم وشطحاتهم ودعاويهم، والثانية: طائفة جافية غليظة الطبع فهموه على أنه أفعال وعقائد وشطحات لا دليل عليها، فذمّوا كل أهل التصوّف وسبّوا الصالح والطالح معاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن من طلب الحق بصدق هداه الله إليه نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.

"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى العقيدة / فتوى رقم/4)