الأحكام الشرعية منها ما شُرِع أصالة للظروف العادية، ومنها ما شُرِع للحالات الاستثنائية تخفيفاً على المكلف، فما شرع للحالات العادية يسمى عزيمة، وما شرع للحالات الاستثنائية يسمى رخصة، ومثال ذلك إتمام الصلاة في حال الإقامة وقصرها في حال السفر، والمسلم يجب أن يمتثل أمر الله في كل حال، وأن تطمئن نفسه لأحكام الشريعة كلها، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ) من الأربعين النووية، رواه النووي في كتاب الحجة، فإذا ما تعرّض لظرف من الظروف التي شرع فيها الإسلام الرخص ينبغي له أن يأخذ بالرخصة حتى تعتاد نفسه العمل بأحكام الشريعة كلها، ففي السفر يجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، ويقصر الصلاة الرباعية، وله أن يفطر إن كان سفره في رمضان، وله أن يأكل الميتة إن خشي الهلاك ... إلخ.
لكن هل يجب عليه العمل بالرخصة، هذا يختلف باختلاف أنواع الرُخَص والكلام فيه طويل لكن مما يفيد القارئ ما يلي:
1. إذا أكره على كلمة الكفر رُخِّص له أن ينطق بها وقلبه مطمئن بالإيمان، لكن الأفضل أن لا ينطق بها، ولو أدى ذلك إلى الموت؛ حتى يظهر للكفار أن الإسلام عزيز وعظيم القدر عند أهله.
2. لو أصابه الجوع ولم يجد ما ينقذ نفسه به من الموت إلا الميتةَ أو لحم الخِنْزير، وجب عليه أن يتناول منهما ما يسد به الرمق وينقذ نفسه من الموت؛ لأن إنقاذ نفسه من الموت واجب، وهو أكثر وجوباً من وجوب البعد عن أكل الميتة.
3. أما المسافر فله أن يصوم، وله أن يترخص بالإفطار، وله أن يقصر الصلاة، وله أن يتم، وله أن يجمع بين الصلوات وله أن يصلي كل واحدة في وقتها، وأي ذلك أفضل يرجع فيه إلى الفقهاء.
لكن إذا لم ترتح نفسه إلى الرخصة، وجب عليه الأخذ بها لكي يروض نفسه على طاعة أمر الله في كل حال.
بقي أن نقول إن حديث: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ) رواه الإمام أحمد وابن حبان، والبيهقي، وله رواية أخرى"كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ" رواها الإمام أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان، سبل السلام 2/371، أشار السيوطي في الجامع الصغير إلى ضعفه ويرى المناوي في فيض القدير أنه موقوف.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الحياة العامّة / فتوى رقم/49)