هذه المسألة يكثر السؤال عنها فيجب إيضاحها، وجوابها من بابين من أبواب الفقه: الأول: باب الزكاة، والثاني: باب النفقات.
ففي باب الزكاة: يجوز إعطاء الزكاة للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل.
وفي باب النفقات: تجب نفقة الفقير من الأصول والفروع، بشرط أن يكون الفرع صغيراً أو عاجزاً عن الكسب لمرضٍ، فإذا كان الأصل أو الفرع غنياً لم تجب نفقته، وحتى لو كان غنيّاً في يوم واحد لم تجب نفقته في ذلك اليوم.
ومن هنا لاحظ الفقهاء أن الإنسان إذا أعطى زكاته إلى أصله أو فرعه الفقير ارتفعت نفقته عنه، فيكون المزكِّي بذلك قد رفع عن نفسه كلفةً ماليَّةً بدفعه للزكاة فكأنه استهلك الزكاة في مصلحته الخاصة، ومعلوم أن الزكاة لا تُقضى بها المصالح الخاصة، ويترتَّب على هذا الأحكام التالية:
1. لا يصحُّ دفع الزكاة للأصول باعتبارهم فقراء أو مساكين؛ لأن لهم نفقة واجبة على فروعهم.
2. لا يصحّ إعطاء الزكاة للفروع الصغار والعاجزين عن الكسب بسبب المرض؛ لأن لهم نفقة واجبة، أما الفروع الكبار فيُعطَون إذا كانوا فقراء أصحَّاء لأن نفقتهم غير واجبة على أصولهم.
3. الأصول والفروع الذين سبق ذكرهم في البند (1) و(2) لا يُعطَون باعتبارهم فقراء لكن يجوز إعطاؤهم بالاعتبارات الأخرى، أي لأنهم غارمون أو مجاهدون أو من العاملين عليها... إلخ.
4. الإخوة والأخوات يُعطَون من الزكاة سواءً كانوا كباراً أم صغاراً لأن نفقتهم غير واجبة عند الشافعية.
5. ينبغي ملاحظة أن الفقير إذا كانت تجب نفقته على الغير لا يُعتبر فقيراً إن كان ذلك الغير مؤدِّياً للنفقة، فمثلاً البنت المتزوجة والأخت المتزوجة نفقة كل منهما على زوجها ولهذا لا تُعطَى من الزكاة، إلا إذا كانت النفقة الواجبة لا تكفيها للأمور الضروريّة كالطعام والعلاج، أما إذا كانت مكفيَّةً فلا تُعطَى.
يتَّضح الآن أن البنت المحتاجة التي جاء ذكرها في السؤال إن كانت صغيرة فنفقتها على أبيها ولا يصحّ إعطاء الزكاة لها، وكذا إن كانت مريضة عاجزة عن الكسب، وإن كانت كبيرة متزوجة وزوجها ينفق عليها فلا يصحُّ إعطاؤها من الزكاة، وإن كان زوجها لا ينفق عليها لفقره أو بخله أو لا تكفيها نفقته التي حكم بها القاضي يجوز إعطاؤها.
وإن كان زوجها فقيراً يجوز إعطاء الزكاة لزوجها ولو بواسطتها، ولا ننسى أن البنت لها الصلة والبِرّ ولا يجوز أن تبقى منتظِرة حصّة الزكاة.
وإن كانت كبيرة لكنها فقيرة فيجوز إعطاؤها من الزكاة.
وكذا يجوز إعطاء الابن الكبير من الزكاة إذا كان فقيراً.
لكن إن كان الابن الأكبر أو البنت الكبيرة طالبَي علمٍ نافع للأمة ومجتهدين في الطلب فنفقتهما في هذه الحالة على الأب فلا يُعطيان من الزكاة لأن نفقتهما واجبة.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الزكاة/ فتوى رقم/26)