الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته، سواء بالتقبيل أو باللمس أو التمسح ونحوه، وسواء في ذلك ما انفصل من جسده الشريف عليه الصلاة والسلام، وما استعمله من آنية أو لباس أو أدوات أخرى.
فقد ثبت عن الصحابة الكرام أنهم كانوا يصنعون ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُنكِر عليهم، وبدنه الشريف عليه الصلاة والسلام كله بركة وخير، ولم نجد في هذا الحكم خلافًا بين العلماء؛ لكثرة الأدلة الشرعية الواردة في الباب، ومن ذلك:
أولاً: حديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى إزاره للنساء اللاتي غسلن ابنته وقال لهن: (أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ) متفق عليه. قال النووي: "الحكمة في إشعارها به تبريكها".
ثانياً: وفي حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه لما نزل عنده النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة قال: (فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ، فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ) رواه مسلم.
ثالثاً: وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا) رواه مسلم.
رابعاً: وقد عقد الإمام البخاري في "صحيحه" باباً قال فيه: "باب ما ذُكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وما استَعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يُذكر قِسمَتُه، ومن شعره، ونعله، وآنيته مما يَتبركُ أصحابُه وغيرُهم بعد وفاته".
وروى فيه عن عيسى بن طهمان، قال: (أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبالانِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ البُنَانِيُّ بَعْدُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلاَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: (أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كِسَاءً مُلَبَّدًا، وَقَالَتْ: فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وعَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ عَاصِمٌ: "رَأَيْتُ القَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ)
خامساً: كما عقد البخاري في "صحيحه" باباً بعنوان: "باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته"، وروى تحته قول أبي بُرْدَةَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: (أَلاَ أَسْقِيكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ)
وحديث قدح سهل بن سعد الذي شرب فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "قال: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ". والله أعلم.