الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اختلف العلماء في حكم إهداء ثواب الأعمال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك على قولين:
القول الأول: عدم الجواز؛ إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إذن بذلك، كما قد يُؤثر ذلك في جنابه الرفيع عليه الصلاة والسلام حيث يوهم أنه بحاجة إلى عبادات الصالحين، كما إن ثواب أعمال الأمة جميعها في صحيفة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سبب الهداية الأول؛ فنيّة إهداء ثواب العبادة إليه تحصيل أمر حاصل، فلا حاجة إليها.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "إهداؤه - أي ثواب قراءة القرآن - للنبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل فيه أثر ممن يُعتد به، بل ينبغي أن يُمنع منه؛ لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه، مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم، وجميع أعمال أمته في ميزانه، وقد أمرنا الله بالصلاة عليه، وحث صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأمرنا بسؤال الوسيلة والسؤال بجاهه، فينبغي أن يتوقف على ذلك، مع أن هدية الأدنى للأعلى لا تكون إلا بالإذن".
وقال ابن قاضي شهبة: "وهو المختار، والأدب مع الكبار من الأدب والدين، وأعمال الأمة من الواجبات والمندوبات في صحيفته صلى الله عليه وسلم".
ونقل الإمام السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني أنه سئل: عمن قرأ شيئاً من القرآن وقال في دعائه "اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فأجاب: هذا مخترع من متأخري القراء، لا أعلم لهم سلفاً فيه. انتهى نقلاً عن "مواهب الجليل" (2/ 545).
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "منع الشيخ تاج الدين الفزاري منه، وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه، ولم يأذن إلا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة" انتهى من "مغني المحتاج" (4/ 111).
ويقول العلامة الدردير المالكي: "صرح بعض أئمتنا بأن قراءة الفاتحة مثلاً وإهداء ثوابها للنبي صلى الله عليه وسلم مكروه" انتهى من "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي" (2/ 10).
القول الثاني: الجواز، واستدلوا بما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعتمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؛ ولعدم المحذور، بل دل على جوازه ما ورد في جواز الحج والصوم عن الميت.
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "جوزه بعضهم، واختاره السبكي، واحتج بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يعتمر عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرة بعد موته من غير وصية. وحكى الغزالي في "الإحياء" عن علي بن الموفق - وكان من طبقة الجنيد - أنه حج عن النبي صلى الله عليه وسلم حججاً، وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أنه ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة وضحى عنه مثل ذلك" انتهى من "مغني المحتاج" (4/ 111)، وانظر: "تحفة المحتاج" (7/ 76)، "نهاية المحتاج" (6/ 93).
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله: "كل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف والثلث أو الربع لمسلم حي أو ميت جاز ذلك ونفعه ذلك، لحصول الثواب له، حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى من "كشاف القناع"(2/ 147). والله أعلم.