الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
التحنيط المعروف الآن: يكون بتفريغ أحشاء الحيوان الداخلية بعد قتله، وحشوه بمواد كيماوية لمنع تعفنه بغرض الاحتفاظ به على هيئته، وهو محرم إلا إذا اقتضته ضرورة علمية أو طبية.
والحيوانات المحنطة هذه إما أن تكون من الحيوانات التي أباح لنا الشارع الحكيم تذكيتها وأكلها كالإبل والبقر والغنم وبعض الطيور؛ وهذه لا يُحنّطها الناس غالباً؛ للاستفادة من كل أجزائها، ولما في ذلك من إضاعة للمال، وإما أن تكون من الحيوانات المحرمة أكلها كالكلاب والأسود والصقور ونحوها.
فإذا كانت مما أبيح أكله وماتت بغير ذكاة شرعية، أو كانت محرمة الأكل كالكلاب وذبحت أو ماتت، فهي ميتة نجسة، قال الإمام ابن النقيب: "والنجاسة هي البول والغائط... وما لا يؤكل لحمه إذا ذبح، والميتة إلا السمك... وشعر الميتة، وشعر غير المأكول - كلها نجسة -.." "عمدة السّالك" (ص/71).
وهذه الميتة يحرم بيعها وشراؤها؛ لخبر الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ) متفق عليه، جاء في "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (3/9): "ولا يصح بيع عين نجسة سواء أمكن تطهيرها بالاستحالة كجلد الميتة أم لا".
والقاعدة العامة عندنا تحريم قتل الحيوانات إلا ما استُثني قتله لضرره، فقد نهانا الشارع الحكيم عن قتل الحيوانات لغير حاجة؛ إلا لمأكلة فضلاً عن قتلها والتمثيل بها، وبوّب الإمام البيهقي في سننه الكبرى: (باب تحريم قتل ما له روح إلا لمأكلة) وذكر حديث مالك عن يحيى بن سعيد: أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه بعث جيوشا إلى الشام - فذكر الحديث في وصيته - إلى أن قال: "وَلَا تَعْقِرُنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ" "السنن الكبرى" (9/ 86).
وقال الإمام ابن حجر: "أمرنا بأن نُحسن القتلة ونُهينا عن المثلة" "فتح الباري" (5/ 42).
وذكر الإمام الماوردي في الحاوي: أنه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن المثلة في الحيوان، ونهى عن تعذيب البهائم فيما لا غرض فيه" "الحاوي الكبير" (4/ 944).
وأما تعليق هذه الحيوانات المحنطة والتزيين بها، فهو وسيلة إلى تعليق الصور من ذوات الأرواح، وهو منهي عنه صراحة بأحاديث كثيرة صحيحة، منها حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: "حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ البَابَيْنِ وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَا بَالُ هَذِهِ الوِسَادَةِ؟)، قَالَتْ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) رواه البخاري، وحديث ابن عباس، رضي الله عنهما قال: سمعت أبا طلحة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ) رواه البخاري.
ولكل هذا... فإننا نرى حرمة ذلك، والله تعالى أعلم.