الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حليب المرضعة يثبت به التحريم ولو تغير حاله أو حُفِظَ بطرق معينة؛ إذ لا يُشترط لثبوت التحريم لدى فقهائنا بقاء اللبن على هيئته المعروفة؛ لأن العلة واحدة، وهي حصول التغذي به، فيبقى الحكم مع بقاء العلة.
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "لو حَلَبَتْ [أي المرأة] لَبَنَها قبل موتها، فأُوجِر طفلٌ بعد موتها حَرَّمَ في الأصح؛ لانفصاله منها وهو حلال محترم... ولا يُشترط بقاء اسمه لَبَناً. ولو جُبِّنَ، أو جُعِلَ منه أَقِط، أو نُزِع منه زبد، أو عُجِن به دقيق وأُطعم الطفلُ من ذلك حَرَّم؛ لحصول التغذي به" انتهى باختصار من "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (5/ 125). ومعنى "فأُوجِر طفل": أي صُبَّ في حلقه اللبن. ينظر: "تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي (8/ 287).
وتثبت الحرمة بالرضاع إذا لم يتجاوز الطفل العامين من عمره، ولم يقلَّ عدد الرضعات عن خمسٍ متفرقات، فإذا أُخذ حليب المُرضع في إناء ثم سقي للطفل؛ ثبت بذلك التحريم أيضاً، ولكن بشرط أن يُحلَب الحليب من المرضعة على خمس رضعات متفرقات، ويشربها الطفل على خمس دفعات متفرقات أيضاً، ولا حرج أن تكون الدفعة الواحدة بمقدار يسير، وفي هذا يقول الخطيب الشربيني: "لو حُلِبَ منها خمس دفعات وأُوجِره في خمس دفعات من غير خلط؛ فهو خمسٌ قطعاً" "مغني المحتاج" (5/ 136). والله أعلم.