الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
ينبغي للمسلم أن يصرف وقته فيما ينفعه في دنياه وآخرته، والكتب النافعة لا يحصرها عدد، ولو قضى المرء فيها عمره لم يأت على عُشرها، فذلك أولى من قضاء الأوقات فيما لا نفع فيه من كتب الأديان الأخرى، إلا إذا كان القارئ من الطبقة المتعلمة المثقفة، وكان يملك من الوعي والفهم ما يتمكن به من تمييز الغث من السمين، والاستفادة من قراءته في فهم الواقع المعاصر ومن ثَمَّ التحرك بوعي في مجتمعه، فمثله يُستحب له الاطلاع والنظر في كل ما ينمي معارفه ومداركه.
وأما الضعيف غير المتخصص في مجال مقارنة الأديان، أو الذي لا يملك المعرفة الكافية فقد حرَّم عليه علماؤنا قراءة كتب الأديان الأخرى التي تُناقض عقيدته، واختلط فيها الحق بالباطل، فالنظر فيها قد يؤدي إلى إفساد العقائد والوقوع في الشكوك والشبهات، وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 312) عَنْ جابِرٍ رضي الله عنه: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ أَتى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتابٍ أَصابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْتُ كِتاباً حَسَناً مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتابِ، قَالَ: فَغَضِبَ، وقال: (أَمُتَهَوِّكُونَ فِيها يا ابْنَ الْخَطّابِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضاءَ نَقِيّةً، لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً ما وَسِعَهُ إلاّ أَنْ يَتَّبِعَنِي).
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "يحرم على غير عالم متبحر مطالعة توراة عَلِمَ تبديلها أو شكَّ فيه" انتهى من "تحفة المحتاج" (1/ 178).
وقد علَّق عليه الشرواني في "الحاشية": "نقل الزركشي كالسبكي الإجماع عليه". والله أعلم.