اسم المفتي : لجنة الإفتاء

الموضوع : يُشترط في الغيبة تعيين المغتاب

رقم الفتوى : 1996

التاريخ : 05-02-2012

السؤال :

عندما أقول: سكان البلد الفلاني ليسوا متدينين، أو أقول: سكان مدينة كذا بخلاء، أو أقول: أصحاب المهنة الفلانية نصابون... هل يُعدُّ هذا من الغيبة المحرمة، أم أن شرط الغيبة أن يكون الكلام على شحص معين؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه من الاستطالة في الناس ذمّاً وقدحاً، فلا يستعمل عبارات العموم والإطلاق، وإنما يخص من يستحق الوصف المذكور دون غيره، إذا كان غرضه التحذير والتنبيه، وليس الغيبة والتشهير.
وإذا كان القرآن الكريم تجنب التعميم عند الحديث عن علماء السوء من الأديان الأخرى، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) التوبة/34؛ فمن باب أولى أن يتحلى المسلم بهذا الأدب العظيم مع المسلمين، ويتجنب إطلاق السوء في فئات معينة من الناس، فقد قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات/11.
ولكن مع ذلك نقول: إن ذِكْر قوم معينين بسوء ليس من الغيبة؛ فقد اشترط العلماء في تعريف الغيبة أن يكون الشخص المذكور بالسوء معيناً معروفاً لدى السامعين، واستدلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: جَلَسَ إحْدى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، قَالَتْ الْأُولَى... فساقت عائشة حديث كل امرأة عن زوجها بما يكره، حتى كان آخرهن أم زرع التي أثنت على زوجها خيراً، ثم قالت رضي الله عنها: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُنْتُ لَكِ كأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ) متفق عليه.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "قال المازري: قال بعضهم: وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة، لكونهم لا يُعرَفون بأعيانهم أو أسمائهم، وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنساناً بعينه أو جماعة بأعيانهم. قال القاضي عياض: إذا كان مجهولاً عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة؛ لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه" انتهى من "شرح مسلم" (15/ 222).
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "وكذا منها قولك: فَعَلَ كذا بعضُ مَن مرَّ بنا اليوم. إذا فهم منه المخاطَب معيَّنًا ولو بقرينة خفية، وإلا لم يحرم" انتهى "الزواجر" (2/ 28).
وقال صاحب "البحر" (8/ 381) - من كتب الحنفية -: "رجل اغتاب أهل قرية لم تكن غيبة حتى يسمي قوماً بأعيانهم".
كما جاء في "الفتاوى الهندية": "من اغتاب أهل كورة أو قرية لم تكن غيبة حتى يسمي قوماً معروفين" انتهى.
والخلاصة أن إطلاق الذم لأهل بلد معين أو مهنة معينة من آفات اللسان الواجب اجتنابها، ولكنها لا تدخل في باب الغيبة. والله أعلم.