الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
إنَّ من واجبات المسؤول القيام على شؤون الناس بما يُصلحهم في معادهم ومعاشهم، وليس من السهل أنْ يقوم وحده بهذا المطلب كاملاً؛ وذلك لتنوُّع ظروف الحياة في شتّى مناحيها الاقتصادية والسياسية وغير ذلك.
لذا فإن له أنْ يستشير أهل الخبرة والعلم، كلٌّ في مجال اختصاصه، فقد يبرع إنسان في مجال ولا يبرع في غيره، ومن هنا كان لا بدّ من وجود فئة من أصحاب الاختصاص لإعانة صاحب القرار على اتّخاذ القرار الصائب.
وقد حثّ الإسلام على الاستشارة، حيث قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران/159. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) الشورى/38.
ففي هذه الآيات؛ رغّب الله تعالى في الشورى، وأمر بها، وجعلها من صفات عباده المؤمنين، قال الإمام الرازي: "وظاهر الأمر للوجوب". وقال الطاهر ابن عاشور: "فتعيَّن أنَّ المشاورة المأمور بها هنا هي المشاورة في شؤون الأمة ومصالحها".
وإذا كان الله تعالى قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالشورى مع أنه أكمل الخلق ومؤيد بالوحي من الله تعالى، فما الظن بغيره؟! وقد قال العلماء: إنَّ الله تعالى أمر نبيَّـه بالشورى ليقتديَ به غيرُه، فتصيرَ سُنَّة في الأمة.
وحكمة الحث على الشورى هي تقليب أوجه الرأي، واختيار أفضل اتجاه من الاتجاهات الممكنة للقيام بالأمر على أحسن وجه، وذلك لما يقصده الشرع من تحقيق مصلحة الأمة، من خلال العمل بالقرار الصائب الذي يراه أصحاب الاختصاص ويتفقون عليه.
والمستشار في أمر الأمة لا بد أن تتوفر فيه عدة شروط، منها:
1. العدالة، بأن يتوفر فيه الخلق الحسن والأمانة والالتزام الإيمانيّ.
2. أنْ يكون عنده علم بالشريعة، وخاصة أحكام الحلال والحرام حتى لا يخطئ؛ فيجعل الحلال حراماً، ويجعل الحرام حلالاً.
3. العلم والمعرفة فيما يُستشار فيه، فيجب أنْ يكون المستشار عالماً في مجال اختصاصه.
4. كمال العقل والحكمة، فالمستشار ينبغي أنْ يكون صاحب تجربة حكيماً لا تأخذه العواطف.
5. أنْ لا يكون صاحب هوىً أو بدعة، أو يحقق مصلحة أو منفعة شخصية بسبب استشارته.
6. أنْ يكون معتدل المزاج، وعنده تأنٍ وتؤدة؛ فإنَّ ذلك أبعد له عن الخطأ.
7. أنْ يشعر بعظم الأمانة الملقاة على عاتقه، وأنه مسؤول أمام الله تعالى عما يقدمه من نصح، وأن لا يألو جهداً في النصح لولي الأمر؛ فهو مؤتمن على ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المستشار مؤتمن) رواه أبو داود والترمذي.
فالواجب مراعاة هذه الشروط عند تعيين المستشارين، ومن عيّن مستشاراً لا تنطبق عليه هذه الشروط فهو آثم عند الله عزّ وجل.
وكذلك يحرم تعيين مستشار لمجرّد تطييب نفسه، أو لرفع قدره، أو لنفعه مادياً، فقد ورد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدّين النصيحة)، قلنا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) متفق عليه.
والواجبُ على المستشار أنْ يؤدّي عمله بأمانة وإحسان، وأنْ لا تأخذه في الله لومة لائم؛ فلا يسكت عن حقٍّ، ولا يدع باطلاً، وليكن شعاره في عمله قوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله تبارك وتعالى يُحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه البيهقي في "شعب الإيمان". والله تعالى أعلم.