الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يشترط لصحة صلاة الجمعة أن يتقدمها خطبتان يجلس بينهما الإمام، وذلك عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة؛ وذلك لخبر الصحيحين: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا)، ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكل خطبة مكان ركعة، والإخلال بإحدى الخطبتين كالإخلال بإحدى الركعتين, فكما لا يجوز الاقتصار في صلاة الجمعة على ركعة واحدة كذلك لا يجوز الاقتصار على خطبة واحدة، وإذا نسي الخطيب الخطبة الثانية وجب على المستمعين أن ينبهوه كما لو نسي ركعة من ركعات الصلاة, وسواء ترك الخطيب الخطبة الثانية عمداً أو سهواً وجب تذكيره، فإن لم يتذكر فلا يجوز متابعته على ذلك, حيث تبطل صلاة من تابعه، وعليه إعادة الصلاة ظهراً، ويجوز أن يقوم أحد المصلين ممن استمع لأركان الخطبة الأولى ويأتي بالخطبة الثانية إذا لم يطل الفصل، وتصح بذلك صلاة الجمعة للجميع.
وأما إذا لم يقم أحد بذلك أو طال الفصل وكان الوقت باقياً فيجب عليهم أن يجتمعوا ويعيدوا الخطبة والصلاة جميعاً، فإن لم يفعلوا ذلك فالواجب في حقهم إعادة الصلاة ظهراً, وهذا مذهب الجمهور من العلماء.
وعند الحنفية أن الخطبة الثانية سنة وتركها لا يبطل الصلاة، فمن أخذ برأي الجمهور فهو أحوط وأبرأ، ومن أخذ برأي الحنفية فلا شيء عليه.
وكان الواجب على الخطيب أن يراعي مذهب عامة أهل البلد, ولا ينبغي للخطيب أن يخالف المألوف المتقرر حتى لا يثير الفتن ولا يشكك الناس في دين الله تعالى، وخاصة عامة المسلمين الذين تخفى عليهم مثل هذه الدقائق الفقهية, والله تعالى أعلم.