الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
المال العام: هو ما يشمل النقود والعروض والأراضي والآليات والمصانع وغيرها، مما لم يتعين لها مالك، بل هي ملك لجميع المواطنين، يُنفَق على مصالحهم بالعدل حسب ما يراه ولي الأمر، وكان يسمى (بيت مال المسلمين).
ولا خلاف بين الفقهاء: أن من أتلف من أموال بيت المال بغير حق، سواء أكان سرقة أو نهباً أو تكسيراً أو تخريباً؛ فهو ضامن لما أتلفه.
والاعتداء على الأموال العامة من أشدِّ المحرمات، ويلزم المعتدي ردُّ ما أتلف، أو ردُّ مثله إن كان مثليّاً، وقيمته إن كان قيميّاً، وإن تقادم عليه زمن أخذه؛ لأنه نوع من أنواع الغلول. قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) آل عمران/161.
وقد نبَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ اللتبية حينما تكسَّب لنفسه هدايا من وظيفته، ثم جاء بما جمعه من الصدقات المفروضة، واحتجز لنفسه الهدايا التي قُدِّمت له، وقال: "هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهلاّ جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يُهدى له أم لا) متفق عليه.
هذا حكم هدية الموظف؛ فكيف بمن يختلس المال العام، حتى ولو كان المختلَسُ شيئاً يسيراً. عن عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً [أي: إبرة] فما فوقه؛ كان غلولاً يأتي به يوم القيامة) رواه مسلم.
هذا حكم واضح التحريم في كل شخص موظف أو غيره يأخذ من أموال الدولة، أو يستعمل ممتلكاتها لأغراضه الخاصة -كمن يستعمل السيارات الرسمية على خلاف ما أباحه له ولي الأمر-؛ لأن المال العام لا يصرف إلا وفق ما يأذن به ولي الأمر.
وإذا لاحظنا أن أموال خزينة الدولة مخصصة لتنفق على الصالح العام (أي لجميع المواطنين)؛ لذلك فإن من يأخذ شيئاً منها -ولو كان قليلاً- فإنما أخذه من مال كل مواطن، وعقابه النار يوم القيامة. عن خولة بنت عامر الأنصارية -وهي امرأة حمزة رضي الله عنهما- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق؛ فلهم النار يوم القيامة) رواه البخاري.
والواجب على كل مواطن -موظف أو غير موظف- أن يكون أميناً وناصحاً للأمة؛ يحفظ أموال الدولة وأوقاتها بصدق وإخلاص وعناية؛ حتى تبرأ ذمته، ويطيب كسبه، ويُرضي ربه، وينصح لوطنه ولأمته، هذا هو الولاء لله والانتماء للوطن.
وإن من أقوم السبل لحفظ المال العام حسنَ اختيار من تُوكل إليهم الأمور، على أساس العلم والأمانة والقوة والحفظ، كما قال يوسف عليه السلام -لملك مصر-: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) يوسف/55، وقول الفتاة الطيبة -لأبيها في حق موسى عليه السلام-: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القصص/26.