الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وبعض الحنابلة إلى استحباب الصيام في شهر رجب، كما يستحب صيام باقي الأشهر الحرم، وهي: محرم، وذو القعدة، وذو الحجة.
واستدلوا لذلك ببعض الأحاديث الواردة، منها قوله صلى الله عليه وسلم -حين سئل عن سبب صومه شهر شعبان-: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ) رواه النسائي (2357)، قالوا: دل هذا الحديث على أن شهري رجب ورمضان شهرا عبادة وطاعة لا يغفل الناس عنها.
وقد وردت أحاديث أخرى ضعيفة الإسناد كما قال الحافظ ابن حجر، منها حديث: (صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ) رواه أبوداود، ولكن قالوا: الأحاديث الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال، وأما الأحاديث الموضوعة الواردة في فضل رجب فيجب الحذر منها، والتنبه لها.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "روي في فضل صومه أحاديث كثيرة موضوعة، وأئمتنا وغيرهم لم يعولوا في ندب صومه عليها، حاشاهم من ذلك، وإنما عولوا على ما قدمته وغيره -وقد ذكر بعض الأحاديث الضعيفة ثم قال:- وقد تقرر أن الحديث الضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والموقوف يعمل بها في فضائل الأعمال إجماعاً، ولا شك أن صوم رجب من فضائل الأعمال، فيكتفى فيه بالأحاديث الضعيفة ونحوها" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/54)
ثم إنه اشتهر في الآونة الأخيرة الفتوى بالمعتمد في مذهب الحنابلة أنه يكره إفراد شهر رجب بالصيام، خشية أن يظن الناس فرضية صومه كرمضان، ولِما ورد من آثار عن بعض الصحابة الكرام.
حيث استدلوا بما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/345) عن خرشة بن الحر قال: "رَأَيْتُ عُمَرَ يَضْرِبُ أَكُفَّ النَّاسِ فِي رَجَبٍ، حَتَّى يَضَعُوهَا فِي الْجِفَانِ، وَيَقُولُ: كُلُوا، فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ". ينظر "المغني" لابن قدامة (3/53)
والجواب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد النهي عن تشبيه رجب برمضان حتى لا يعتقد الناس وجوب صيامه كصيام رمضان، فنهى بعض الصائمين الذي خشي عليهم ذلك الظن، فهي سياسة شرعية منه رضي الله عنه.
ولذلك قال الحنابلة رحمهم الله: تزول الكراهة بإفطار يوم واحد فيه، أو صيام شهر آخر كاملاً كي لا يفرد رجب بالصيام.
فمن اعتاد صيام النوافل، وأكثر الصيام في شهر رجب رجاء الثواب فيه فلا ينكر عليه أحد من مذاهب الفقهاء الأربعة المعتمدة. والله أعلم.