الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل الذي تدل عليه الأدلة الشرعية أن من انتقض وضوءه بالحدث وجب عليه الوضوء لصحة الصلاة والطواف وغيرها من العبادات التي تشترط لها الطهارة، إلا أن من يعاني من " سلس الحدث "، وهو انفلات الحدث - سواء كان بولا أم ريحا أم غيره - بحيث يستغرق خروج الحدث بغير تحكم أكثر الوقت جاءت الرخصة في حقه بتصحيح صلاته، بشرط أن يتوضأ لكل صلاة مفروضة بنية استباحة الصلاة بعد دخول وقت الصلاة، ولا يجوز له أن يجمع بين فرضين - كالطواف والصلاة - بوضوء واحد، بل يجب لكل فرض وضوء مستقل.
والدليل على ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت حبيش رضي الله عنها - وكانت تستحاض فلا ينقطع الدم عنها - أن تتوضأ لكل صلاة، فقال لها: (فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي، ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ) رواه البخاري (228).
وقد ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
وأما المالكية فالمعتمد في مذهبهم هو التفصيل الآتي:
1- إذا استغرق انفلات الحدث نصف الزمان فأكثر لم ينقض الوضوء، وإنما يستحب فقط.
2- وأما إذا لم يستغرق نصف الزمان فإن الوضوء ينتقض به.
يقول الشيخ أحمد الدردير المالكي رحمه الله: "ونقض بسلس فارق أكثر الزمان ولازم أقله, فإن لازم النصف - وأولى الجل أو الكل - فلا ينقض" انتهى.
وعلق عليه الدسوقي رحمه الله بقوله: "أطلق المصنف في السلس فيشمل سلس البول والغائط والريح وغيره كالمني والمذي والودي، واعلم أن ما ذكره المصنف من التفصيل في السلس طريقة المغاربة وهي المشهورة في المذهب، وذهب العراقيون من أهل المذهب إلى أن السلس لا ينقض مطلقا، غاية الأمر أنه يستحب منه الوضوء إذا لم يلازم كل الزمان, فإن لازم كله فلا يستحب منه الوضوء" انتهى من "حاشية الدسوقي" (1 /116-117)
فمن أخذ برخصة مذهب المالكية في ازدحام الحج أو العمرة فلم يتوضأ من سلس الحدث فلا حرج عليه، بشرط أن تكون ثمة مشقة شديدة تلحقه إذا قرر الخروج إلى أماكن الوضوء قد يترتب عليها مرض أو تأخر عن رفقة أو خروج وقت الصلاة، ونحو ذلك، فالله عز وجل يقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، والقاعدة الشرعية تقول: "المشقة تجلب التيسير". والله أعلم.