لا يجوز لَعْنُ المسلمِ أصلاً، ومن لَعَنَ مسلماً فهو الملعون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم ليس بلعانٍ). وكيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم وقد ورد النهي عن ذلك، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلى الله عليه وسلم؟!
ويزيد صحَّ إسلامه، وما صحَّ قتلُه الحسين رضي الله عنه، ولا أمرُه به ولا رضاه بذلك، ومهما لا يصح ذلك منه لا يجوز أن يُظنَّ ذلك به فإن إساءة الظن بالمسلم أيضاً حرام، وقد قال تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات/12، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأن يظن به ظن السوء).
ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين رضي الله عنه أو رضي به فينبغي أن يعلم به غاية الحماقة؛ فإن من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله، ومن الذي رضي به، ومن الذي كرهه؛ لم يقدر على ذلك، وإن كان الذي قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف لو كان في بلد بعيد وزمن قديم قد انقضى، فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمئة سنة في مكان بعيد؟!
وقد تطرق التعصب في الواقعة؛ فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب. فهذا أمرٌ لا تُعلم حقيقته أصلاً، وإذا لم يُعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به.
ومع هذا فلو ثبت على مسلم أنه قتل مسلماً فمذهب الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم تجز لعنته، فكيف من تاب عن قتل؟!
وبِمَ يُعرف أن قاتل الحسين رضي الله عنه مات قبل التوبة؟! وهو الذي يقبل التوبة عن عباده،
فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقاً عاصياً لله تعالى.
ولو جاز لعنه فسكت؛ لم يكن عاصياً بالإجماع. بل لو لم يلعن إبليسَ طول عمره لا يقال له يوم القيامة: لِمَ لَمْ تلعن إبليس؟! ويقال للاعن: لِمَ لعنتَ، ومن أين عرفت أنه مطرود ملعون؟! والملعون هو البعيد من الله عز وجل، وذلك غيب لا يعرف إلا فيمن مات كافراً؛ فإن ذلك عُلِمَ بالشرع.
وأما الترحم عليه فجائز، بل هو مستحب، بل هو داخل في قولنا في كل صلاة: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات)؛ فإنه كان مؤمناً. والله أعلم. كتبه الغزالي.
منقول عن فتوى خاصة كتبها الإمام الغزالي رحمه الله، ونقلها ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (3/ 289)، ولم نجدها مخطوطة. انظر: "مؤلفات الغزالي" للدكتور عبد الرحمن بدوي (ص47-48).