يجب فسخ الفسخ، لأن القاعدة المذكورة في جميع الكتب: إذن الحاكم إذا وقع في محل يسوغ فيه الاجتهاد لم يجز لأحد نقضه. وهذه قاعدة متفق عليها، معمول بها لا نعرف أحداً خالفها، فلا يجوز مخالفتها بغلط الغالطين، وغفلة الغافلين، فإن أحداً من العلماء لم يستثن منها أشياء، وقواعد الشرع مرجوع إليها.
والعلة التي لأجلها ثبتت هذه القاعدة موجودة في هذه الصورة، فإن علة ذلك: أنا لو نقضنا الأحكام في محل الاجتهاد لما ثبت للأملاك والحقوق قدم، ولأدَّى إلى فساد عريض، إذ يحكم أحد الحكام بملك، أو بإذن في نكاح، أو حق من الحقوق على اختلافها، ثم يجيء حاكم آخر لا يرى رأيه فينقض حكمه، فبطل الملك، والإذن في النكاح، والنسب، والإِرث، وغير ذلك من الحقوق، ثم يأتي حاكم آخر فينقض النقض، ثم يأتي آخر فينقض النقض الآخر إلى ما لا يتناهىَ، وهذا مناف للحكمة الإلهية التي بنيت عليها هذه الشريعة التي جاءت بكل جميل وحسن، ولو فعل هذا بعض الملوك في رعيته لكان قبيحاً.
والعجب كيف يمضي هذا بغلط غالط غفل عن هذه القاعدة، وكل غافل عن القواعد في حكمه أو فتواه يلزمه أن ينقض حكمه، ويرجع عن فتواه، وما ظننت أن مثل هذا يقع في الوجود فيمضى، ويحتاج من أفتى به أن ينقل ما أفتى به على خلاف القاعدة، وأما من أفتى على ما تقتضي قواعد الشريعة وإقامة مصالحها، فكيف يحتاج إلى نقل جزئي مخصوص من كلي اتفق على إطلاقه من غير استثناء، والله يوفقنا أجمعين إلى ما فيه رشدنا؛ لأن زلََّة العالم عظيمة لا سيَّما زلة تسلم فيها زوجة رجل مسلم إلىَ من ينكحها، والرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل. والله أعلم.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/193)