إذا كان القصد بالسجع الرياء والسمعة والتصنع بالفصاحة فهو حرام، وإن كان القصد به وزن الكلام لتميل النفوس إلى قبوله، والعمل بموجبه، فلا بأس به في الخطب وغيرها، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يتصفح كتبه إذا فرغ منها، فإن وجد فيها كلاماً بليغاً فصيحاً نحَّاه منها؛ خوفاً من الرياء والسمعة والافتخار بالفصاحة.
ولا ينبغي للخطيب أن يذكر في الخطبة إلا ما كان يوافق مقاصدها من الثناء والدعاء، والترغيب والترهيب بذكر الوعد والوعيد، وكل ما يحث على طاعة أو يزجر عن معصية، وكذلك تلاوة القرآن، (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بسورة ق) رواه مسلم، في كثير من الأوقات؛ لاشتمالها على ذكر الله، والثناء عليه، ثم على علمه بما توسوس به النفوس، وبما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعة وعصيان، ثم يذكر الموت وسكرته، ثم يذكر القيامة وأهوالها، والشهادة على الخلائق بأعمالها، ثم يذكر الجنة والنار، ثم يذكر الصيحة والنشور، والخروج من القبور، ثم بالوصية في الصلوات، فما خرج عن هذه المقاصد فهو مبتدع.
ولا ينبغي أن يذكر فيها الخلفاء، ولا الملوك، ولا الأمراء؛ لأن هذا موطن مختص بالله ورسوله بما يجب على طاعته، ويزجر عن معصيته: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن/18، ولو حدث بالمسلمين حادث فلا بأس بالتحدث فيما يتعلق بذلك الحادث مما حث الشرع عليه، وندب إليه، كعدو يحضر، ويحث الخطيب على جهاده والتأهب للقائه، وكذلك ما يحدث من الجدب الذي يستسقى لمثله، فيدعو الخطيب بكشفه.
وعلى الخطيب اجتناب الألفاظ التي لا يعرفها إلا الخواص، فإن المقصود نفع الحاضرين بالترغيب والترهيب، وإذا لم يفهموا ما يقوله الخطيب لم يحصل مقصود الخطبة للأكثرين، وهذا من البدع القبيحة، ونظير ذلك أن يخطب للعرب بألفاظ أعجمية لا يفهمونها. والله أعلم.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/194)