معنى قول الإمام علي رضي الله عنه: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا) أنه لو قامت القيامة، وأحضرت الجنة والنار ما ازددتُ يقينا بالإيمان بها، وإن كانَ إذا رآها أبصر من التفاصيل والهيئات ما لم يحضره قبل ذلك.
وكذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم، لما رأى كيفية الإحياء لم يزدد يقيناً بالإيمان بقدرة الله تعالى على الإحياء على علم ما لم يقف عليه، مع أنّ الإيمان به كمن رأى شيئاً عجيباً غريباً، فإنهُ يعلم أنّ لهُ صانعاً، وإذا لم يفهم كيفية البناء والصنع فطلب أن ينظر إلى كيفية البناء والصنع، فإنّهُ لا يزدادُ يقيناً بأنّ البناءَ صدر من صانع قادرٍ، وإنما يحصلُ العلم بكيفية الصنع، دون وجود البناء من صانع قادر.
ولم يرد بقوله تعالى: (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة/260، بأنكَ قادر على ذلك، وإنّما أرادَ: ولكن ليسكن قلبي من شدةِ تطلبهِ لرؤيةِ الكيفيةِ.
وقيل: إنّهُ لمّا بشر بالخلةِ طلب أن تخرق له العادة في إرائهِ كيفية الإحياء حتى يسكن قلبهُ إلى اتخاذه خليلا، فإن العادة لا تخرق إلا لخليل كريم على الله، فلما أجيب إلى ذلك سكن قلبه إلى خلةٍ انتهت إلى حد يخرق العادة فيها بدعائه. والله أعلم.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/154)