الإيمان ضربان: أحدهما حقيقي، وهو تصديق القلب بما أوجب الرب سبحانه وتعالى التصديق به، وهو نوعان:
أحدهما: ما يختلف متعلقه، كالإيمان بوجود الله تعالى، ثم بوحدانيته، ثم بكل صفه من صفاته، ثم بكل آية من آيات كتابه، فهذا يزيد وينقص بزيادة متعلقه ونقصانه.
الثاني: الإيمان بمتعلق متحد، وحقيقة منفردة، كالإيمان بوجود الله تعالى، فهذا لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان، بأن يكون إيمان فردٍ بوجوده أكثر من إيمان فرد بوجوده، وكذلك الإيمان بالوحدانية لا يتصور فيها زيادة ولا نقصان؛ لأنها حقيقة واحده، والواحد لا يكون أكثر من نفسه، وكذلك العلم بالمفردات، ويجوز إطلاق الزيادة والنقصان على هذا باعتبار تواليه، وتكرره، لا باعتبار تكثيره في نفسه، وعلى ذلك يحمل قولة تعالى:(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) محمد/19، معناها كرر ذلك، وكثر من تجديده، ولا تغفل عنه، وأما قوله: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه/114، فيحتمل أن يكون من هذا القبيل، ويحتمل أن يكون: زدني علما بمعلومات لا أعلمها الآن، وهذا هو الظاهر، وأما قوله: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) الأنفال/2، فإن معناه: زادتهم إيماناً بما أخبروا به غير ما كانوا خبروا به قبل ذلك، فيكون باعتبار عدد المتعلق.
الضرب الثاني: الإيمان المجازي: وهو عبارة عن فعل كل طاعة وترك كل معصية، لأن فعل الطاعات واجتناب المخالفات مسببات عن الإيمان الحقيقي، والإيمان الحقيقي محله القلوب، والإيمان المجازي محله القلوب والأركان، قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبه، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) ]رواه مسلم (1/63) واللفظ له[، فيجعل كلمة الإيمان - وهي قول - وإماطة الأذى عن الطريق - وهي فعل - إيماناً مجازياً لكونه مسبباً عن الإيمان الحقيقي إيمان الجنان، ولا شك أن هذا الإيمان يزيد بزيادة الطاعات، وينقص بنقصها، والله أعلم.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/136)