الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأذان الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الأذان الذي يتم بعد صعود الإمام على المنبر، وهذا لا خلاف في مشروعيته كما قال ابن قدامة رحمه الله: "أما مشروعية الأذان عقيب صعود الإمام فلا خلاف فيه, فقد كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم، قال السائب بن يزيد: (كان النداء إذا صعد الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأبي بكر وعمر) رواه البخاري" انتهى من "المغني" (2/71)
وأما التأذين قبل ذلك فهو سنة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد رضي بها أكثر الصحابة، فدل على مشروعيته، أحدثه رضي الله عنه لتنبيه الناس في الأسواق كي يتجهزوا لصلاة الجمعة قبل وقتها بساعة من الزمن، فالغرض منه التنبيه للصلاة، لذلك بقي هذا الأذان إلى يومنا هذا، اتباعا لسنة الصحابة رضوان الله عليهم.
هذا - وإن كان الوقت بين الأذانين المعمول بهما اليوم في بلادنا قصير - غير أنه يحقق أصل سنة عثمان رضي الله عنه، ويحقق التنبيه المقصود، فيمنح المصلين بضع دقائق إضافية تعينهم على التعجيل في الذهاب إلى المسجد قبل صعود الخطيب على المنبر.
ولا نرى سببا لإنكار هذا الأذان في أيامنا هذه، فمقصد التنبيه يتحقق به، وأصل مشروعيته هدي الصحابة رضوان الله عليهم، وإن ورد في بعض الآثار وصف هذا الأذان بالمحدث - كما نقله ابن رجب في "فتح الباري" (8/218-220) - فإنما يراد به أنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يراد به الحكم بالمنع والتحريم، فقد أحدثه الصحابة ورضوا به، ولا دليل على منعه أو تحريمه.
وغاية ما هنالك أن الشافعية يقولون بتفضيل الاقتصار على أذان واحد، ولكن لم يقل أحد منهم بمنع أذان عثمان رضي الله عنه أو كراهته.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: "وأيهما كان - يعني أن الأذان أحدثه عثمان أو معاوية - فالأمر الذي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي" انتهى من "الأم" (1/224)
ويقول العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "وأما الأذان الذي قبله على المنارة فأحدثه عثمان رضي الله عنه، وقيل معاوية رضي الله عنه لما كثر الناس، ومن ثَمَّ كان الاقتصار على الاتباع أفضل، أي: إلا لحاجة، كأن توقف حضورهم على ما بالمنائر" انتهى من "تحفة المحتاج" (2/460)
وقد علق عليه الشيخ البكري الدمياطي الشافعي على كلام ابن حجر بقوله: "قوله: (إلا لحاجة)، أي: فليس حينئذ الاقتصار على الاتباع أفضل، بل يأتي بالأذان الآخر المحدث للحاجة" انتهى.
وقال قبل ذلك: "وأما الأذان الثاني فلم يصرح أحد بسنيته، بل المصرح به أنه أحدثه عثمان لما كثر الناس، وغاية ما يستفاد منه أنه مباح لا سنة" انتهى من "إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين" (1/269) والله أعلم.