المفتي العام يشارك في مؤتمر دار الإفتاء اللبنانية
دعا سماحة المفتي العام الشيخ عبدالكريم الخصاونة إلى الوقوف ضدّ الإعلام الذي ينطلق من الفضائيات التي تتبنى خطابا أُحادي النظرة، ويؤجج التعصب، ويبث الفتاوى الشاذة، وذلك خلال مشاركته بالمؤتمر الذي نظمته دار الإفتاء اللبنانية بالتعاون مع مؤسسة بيرغهوف الألمانية بعنوان: "دور الإعلام الديني في تعزيز التسامح وقيم الاعتدال".
وشارك في المؤتمر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، ومفتي جمهورية مصر الدكتور شوقي علام، بالإضافة إلى شيخ طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، ورئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي.
وكان لسماحته المساهمة التالية في هذا المؤتمر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، وبعد:
فأشكر الجمهورية اللبنانية على كرمهم وحسن ضيافتهم واستقبالهم، هذا البلد الطيب، بلد الحرية والمودة والتعايش.
كما وأشكر سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على اختياره لموضوع مهم، وهو :"دور الإعلام الديني في تعزيز التسامح وقيم الاعتدال"، فالإعلام اليوم أصبح السلطة الرابعة، وأصبحت الكلمة في وسائل الإعلام تقوم مقام الجيوش والأسلحة، فنحن بحاجة ملحة إلى إعلام إسلامي يقدم للناس كل وظائف الإعلام المعاصر في إطار أخلاقيات الإسلام وأحكامه المبنية على التسامح والاعتدال وقول الحق والعدل لقول الله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) الأنعام/ 152.
وفي السيرة النبوية الشريفة وقعت حوادث إعلامية مفصلية كان لها أثر عظيم في التاريخ الإسلامي فقبيل معركة بدر الكبرى نشط إعلام المشركين بالتحريض ضد المسلمين مع اعتزازهم بقوتهم وكثرة سلاحهم، وتولي كبره أبو عزة الشاعر، وهم يعلمون ضعف المسلمين وقلة عددهم وعُدَدِهم.
وانتهت المعركة بنصر المسلمين واُسر سبعون من صناديد قريش ومنهم أبو عزة الشاعر، وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الفداء من الأسرى، وفك النبي صلى الله عليه وسلم أسر الشاعر الإعلامي بشرط أن لا يسخّر إعلامه وكلمته ضد المسلمين مرة أخرى.
بينما تولى الشاعر الإعلامي الكبير حسان بن ثابت رضي الله عنه الكلمة الطيبة الصادقة والمؤثرة وجعلها دعوة في سبيل الله.
ولقد زار دائرة الإفتاء العام في الأردن عام 2014 وفد من إذاعة B.B.C وبعد أن استمعوا إلى إيجاز عن الدائرة ورأوا الموقع الإلكتروني فيها، وما تقوم به في معالجة الفكر التكفيري المتطرف، فلما عادوا كتبوا على مواقعهم: "كتيبة من المفتين في الأردن تحارب الفكر التكفيري"، ونحن والحمد لله لا نملك إلا الكلمة الطيبة.
أيها الأخوة:
يعاني المسلمون اليوم من تخلف كبير في الإعلام الإسلامي وقصور، واضطراب وتناقض، بينما يمتاز العالم الآن بالتفوق في العلوم والتكنولوجيا والالكترونيات، وتقدَّمت تقدماً باهراً حتى بلغت من القيادة والمهارة والسرعة في نقل الكلمة والصورة، ما يفوق كل خيال ويرقى إلى حدّ الغرابة.
ثم إلى جانب ذلك امتاز بصناعة الكلمة المعبرة والمؤثرة والأساليب البارعة التي لها فعالياتها وتأثيرها الايجابي، حتى حققت أهدافها المنشودة.
أمتنا اليوم بحاجة ماسة إلى إعلام إسلامي معاصر يرتكز على أسس علمية، وتخطيط، سليم ومعتدل، ومهارة عالية، لكي تستطيع مواجهة التحديات التي تحيط بنا من كل جانب، كما إننا اليوم بحاجة إلى زيادة المساحة المخصصة للخطاب الإسلامي الوسطي في الفضائيات الرسمية وغير الرسمية لمواجهة التطرف والإرهاب، وترك الواجهة الموسمية التي لا تنم عن تخطيط أو مهنية متخصصة.
نحن بحاجة إلى إعلام يعزز التسامح وقيم الاعتدال كما ذكر شيخنا سماحة الشيخ عبد اللطيف دريان، لأن الوسيلة الصناعية الناقلة للمحتوى من صحيفة أو راديو أو تلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي أخذت تدخل إلى أعماق بيوتنا بغير استئذان (رضينا أم لم نرض)، وكذلك لا بد لنا جميعاً من الوقوف ضد الإعلام الذي ينطلق من الفضائيات التي تتبنى خطاباً أُحادي النظرة، وبث الفتنة، ويؤجج التعصب، ويبث الفتاوى الشاذة. ولا ننسى ضرورة الاهتمام بالمضمون الإعلامي الذي تحتويه الرسالة الإعلامية اليوم، فيجب أن يكون المضمون مؤثراً، ومقنعاً ،وواضحاً، وصادقاً، وهادفاً، ليؤثر في الناس وليجذب المتلقَّي وإلا كان كصيحة في واد.
لقد اشتمل القرآن الكريم على رسالة إعلامية قوية وصادقة ومقنعة حققت أهدافاً عظيمةً بيسر وسهولة واعتدال وتسامح حتى وجد قبولاً تاماً عند جميع الأطراف، حتى كان كفيلاً بالإطاحة بتوصية كفار مكة ألا يستمعوا لهذا القرآن، قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت/ 26، ولكنهم كانوا يتسللون سراً لاستماعه بل كانوا يرتقون الأسطح لسماع تلاوة القرآن الكريم من أبي بكر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم في صلاتهم أو قراءتهم و ما كان ذلك إلاّ لقوة الرسالة الإعلامية التي يتضمنها القرآن الكريم.
أيها الأخوة الكرام:
علينا أن لا ننسى رسالة المسجد الإعلامية وأهميتها، ففي العالم الآن ما يزيد عن مليون مسجد بالإضافة إلى الزوايا والمصليات ودور القرآن الكريم وهي في الواقع مليون مركز إعلامي لو أحسن استخدامها في خطاب إسلامي صحيح ضمن الشروط الصحيحة لأدت إلى أجلّ خدمة للإنسان في العالم، وللجماهير الإسلامية التي ترتادها، والمساجد تشكل سلعةً إعلاميةً رابحةً للإعلام؛ وأمتنا خير أمة، وخطابها خير خطاب، قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران/ 110.
أكرر شكري العميق لسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشقيقة، وللإخوة الأعزاء في دار الإفتاء اللبنانية على جهودهم الطيبة المباركة في إقامة هذا المؤتمر... سائلاً المولى عز وجل أن يصلح شأننا وشأن أمتنا وأن يأخذ بأيدينا وأيديكم جميعا لما يحب ويرضى.