مفهوم قيام ليلة القدر

الكاتب : المفتي زكريا علي سلمان

أضيف بتاريخ : 25-08-2010


 

 

إن المتأمل لعِظَمِ الأجر الذي يحظى به من يقوم ليلة القدر ينبغي أن يحرص عليه، فإذا عرفنا أن أجر قيام ليلة القدر يعادل ألف شهر؛ لقوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)القدر/3.. أدركنا مغزى قيامها، وتجلَّت لنا حكمة تعميتها علينا؛ لكي نجتهد ونحرص على البحث والتحري عنها، والاحتياط لأجل إدراكها، وقدوتنا في ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث كان إذا دخل العشر: أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر [متفق عليه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماً(رواه البخاري).

والاعتكاف من صفاته الانقطاع، وانقطاع المصطفى ليس كأي انقطاع، فهو قائد الجيش ورئيس الدولة، وهو مربي الأمة ومفتيها وقاضيها وإمامها، وهو صاحب الأهل والعشيرة والأصدقاء والأقارب والمعارف، وأهم من ذلك أنه مُسدَّد بالوحي مغفور الذنب، ولكنه مع كل هذا يعتكف.

ولو كانت لحظة الإجابة ساعة معينة يُحصِّل أجرَها من جلس لها هذه الساعة لكان العصاة والطغاة والبغاة أحرص الناس على حضور هذه الليلة، ومن هنا جاءت حكمة إخفائها عن الكسالى حتى يجتهدوا، وعن المجتهدين كيلا يتغافلوا.

ولا يلفتنا عن هذا الترصد والاجتهاد في التحصيل ما ورد في علاماتها، خاصة وأن من علاماتها ما يحصل بعد انقضائها، فقد يلتبس الأمر على المعتكف، فيترك الاعتكاف لأجل ما ظنه أنه من علاماتها، فيفوته الخير المؤكد لشيء محتمل، وهذا من الخسارة والجهل والبله بمكان، كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطع الاعتكاف لكونه قد أدرك ليلة القدر، بل بقي معتكفاً إلى آخر الشهر.

كل هذا أحببت أن أقدمه لأحبائي في الله لئلا يُسوِّل لهم الشيطان شيئاً يتركوا فيه قيام تلك الليلة العظيمة التي قد لا تتكرر، فالعمر لا يعرف صاحبه متى ينتهي، والفراغ قد لا يتيسر في عام آخر، وقل هذا في الصحة وغيرها.

أما ليلة القدر فلها مفهومان:

الأول:لحظة الإجابة، وهذه سعادة عظمى حيث تكون الإجابة للدعاء، ويحظى المرء بما تمنى.. عن عائشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:(قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)رواه الترمذي. إن المال ضروري وكذا الزوجة والولد، وإن شئت فقل ذلك في المنصب والجاه، ولكن أهم من ذلك كله السلامة في ذلك اليوم العظيم -يوم القيامة- (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)الحج/47.

المفهوم الثاني لليلة القدر: هو حصول الأجر؛ فمن صلى ركعة كان كمن صلاها في ألف شهر، ومن نطق بتسبيحة كان كمن نطق بها ثلاثين ألف مرة مضاعفة بأجر المجاهدين، فيا لعظيم الأجر وكثرة الثواب!!

وهنا تدخل حبائل الشيطان، إما بصرفك إلى الحرام -لا سمح الله-، وقد يتحايل حتى يخرجك إلى اللهو المباح، فإن أفلس من كل ذلك، فقد يرضى بأن تعمل خيراً أجره قليل، حتى لا تحظى بالعمل صاحب الأجر الكثير.

وهنيئا لك يا من تحيي ليلة القدر؛ فإن اعتكفت فيها كانت صلاتك من قيامها، وكان سماعك لموعظة من قيامها، وكانت قراءتك لكتاب الله من قيامها، وإن تكلمت بكلمة طيبة كان من قيامها، ولو أخذت غفوة لتواصل بعدها النشاط كان من قيامها.

ولهذا كان الصحابة الكرام يدعون الله عدة أشهر أن يبلِّغهم رمضان، كي ينعموا بهذه الأجور العظيمة، ولعلهم يصادفون تلك الليلة الكريمة، فيدعون المولى عز وجل أن يفرج الكرب، وينير الدرب، وينصر أمة سيد المرسلين، ويجعلهم رحمة للعالمين، بنشر دين الهداية، وترك سبل الغواية.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.