نسائم الرحمة والبركة تتجدد في ذكرى المولد النبوي الشريف
يتنسم المؤمنون في شهر ربيع الأول من كل عام نسمات الإيمان والرحمة بتجدد ذكرى المولد النبوي الشريف التي تحيي في الأمة معاني الانتماء لنبيها الكريم، الذي جاء بالرحمة المُهداة والنعمة المُسداة للعالمين، فحلّت البركات بمولده وعلى أمته التي استمدت خيريتها من انتسابها إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، فقد جعل الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُباركاً تفيض بركته على الوجود بأسره، فمنذ لحظة ولادته الشريفة حلّت البركة في مكة المكرمة، ثم في ديار مرضعته حليمة السعدية فنبت عندهم الزرع، ودرّ الضرع حتى قال زوجها لها: "تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، فقالت: والله إني لأرجو ذلك" [سيرة ابن هشام]، ثم نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في كنف جده وعمه، وأنزل الله تعالى عليه القرآن الكريم كتاب نور وهداية، ووصفه الله تعالى بأنه كتاب مبارك، فقال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم: 1]، فاكتملت بذلك أركان الدين، وتشكلت وسطية الإسلام المُستمدة من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه التي قال الله تعالى فيها: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] ومن القرآن الكريم الذي جاء بالمنهاج القويم والصراط المستقيم، لذلك كانت هذه الأمة أمةً مباركة منذ بدايتها تهدي إلى الحق والرشاد، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، ابتعثها الله تعالى لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات إلى النور كما قال ربعي بن عامر رضي الله تعالى عنه: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام" [تاريخ الطبري]، والمقصود بأن هذه الأمة أمة مباركة، أي أن الخير فيها دائم ومستقر، فأنوار أمة الإسلام مستمدة من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، وخيرتها تتمثل باتباعها لأوامر الله سبحانه وتعالى، في صلاح النفس وإصلاح البشرية من خلال الحثّ على مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله عز وجل، يقول الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110] ، وبالتالي فإن معتمد الأمة الإسلامية وسندها هو البركة التي وضعها الله تعالى بها، وارتباطها بالنبي صلى الله عليه وسلم، لذلك كانت مناسبة المولد النبوي الشريف، وتذكر هذه البركة العظيمة التي حلّت بالأمة، والرحمة التي أهداها الله تعالى للعالمين، هي النبراس الذي يضيء دربنا، ويذكرنا بأهمية اتصالنا بالنبي صلى الله عليه وسلم السير على هديه ومنهجه المُبارك.
والحمد لله رب العالمين.