صور من تكريم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته في رحلة الإسراء والمعراج

الكاتب : المفتي الدكتور لؤي الصميعات

أضيف بتاريخ : 02-03-2022


صور من تكريم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته في رحلة الإسراء والمعراج

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛

فإن الله تعالى جعل لهذه الأمة الكثير من الخصائص التي تبين أنها أفضل الأمم.

ولست هنا بصدد بيان الخصائص التي فضل الله تعالى بها النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، ولكني سأذكر صوراً من تكريم الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وأمته مما ورد في رحلة الإسراء والمعراج خاصة، فهي معجزة تتجلى فيها المكارم الربانية، والنعم الإلهية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته والتي منها:

1. أن الله تعالى وصف النبي صلى الله عليه وسلم بصفة العبودية في أشرف مقاماته، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1].

يقول القاسمي: "وذكره سبحانه بسمة العبودية في أشرف مقاماته: مقام الإسراء، ومقام الدعوة، ومقام التحدي. فقال: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) وقال: (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) [الجن: 19]، وقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) [البقرة: 23]. وفي حديث الشفاعة: "أنّ المسيح يقول لهم: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". فنال ذلك بكمال عبوديته لله، وبكمال مغفرة الله له"[1].

2. أنه رأى من آيات ربه الكبرى. يقول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا... لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. ويقول: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]، حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار.

يقول الزرقاني: "أن الله خلق لنبيه إدراكا خاصا أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما"[2].

ورأى سدرة المنتهي والبيت المعمور، فقال: (ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى.. ثم رفع لي البيت المعمور).

3. أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إماما بجميع الأنبياء والمرسلين. ففي حديث الإسراء عند مسلم: (فحانت الصلاة فأممتهم)[3]. وعند الطبري: (ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إماما)[4].

يقول النووي: "وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ببيت المقدس"[5].

ولا شك بأن هذه تكرمة عظيمة من الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قدمه إماما على جميع الأنبياء والمرسلين ومن أولى بذا منه صلى الله عليه وسلم؟

4. أن الله تعالى أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس. ففي حديث مسلم: (فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس..)[6]. وفي رواية عند الترمذي: (فأعطاه الله عندها ثلاثا لم يعطهن نبيا كان قبله..)[7].

وكان الله تعالى فرضها خمسين صلاة ابتداء ثم أشار سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يطلب من الله تعالى تخفيفها قائلا له: "إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك"[8]، فسأله فخففها الله تعالى إلى خمس صلوات ونادى المنادي: (أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي)[9].

والصلاة كانت مفروضة قبل رحلة الإسراء والمعراج ركعتين صباحا وركعتين مساء، يقول ابن حجر: "والأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة قبل الإسراء كثيرة. لكن قد قيل: إنه كان قد فرض عليه ركعتان في أول النهار وركعتان في آخره فقط، ثم افترضت عليه الصلوات الخمس ليلة الإسراء، قاله مقاتل وغيره، وقال قتادة: كان بدء الصلاة ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي"[10].

والصلاة لها شأن عظيم في دين الإسلام لما لها من فائدة كبيرة في حياتنا، فالصلاة صلة بين العبد وربه ليكون قريبا من الله تعالى، وليكون متخلقا بأخلاق الله تعالى، لذا قال الله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].

ومن هنا فإن المجتمع المسلم الذي تقام فيه الصلاة مجتمع نظيف يحبه الله تعالى ورسوله، لذلك أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليها فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. وحذرنا من إضاعتها أو التفريط بها فقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].

5. أن الله تعالى أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خواتيم سورة البقرة.  ففي حديث مسلم: (فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا:.. وأعطي خواتيم سورة البقرة) ويقصد بها قول الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 285، 286]، وهاتان الآيتان لهما فضل عظيم ذكره لنا رسول الله فقال: (الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه)[11]، وفي بيان معنى (كفتاه) يقول ابن حجر: "أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل: أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا، سواء كان داخل الصلاة أم خارجها، وقيل: معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا، وقيل: معناه كفتاه كل سوء، وقيل: كفتاه شر الشيطان، وقيل: دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل: معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله، وابتهالهم ورجوعهم إليه، وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم"[12].

ويقول النووي: "اختلف العلماء في معنى (كفتاه)، فقيل: من الآفات في ليلته: وقيل: كفتاه من قيام ليلته، قلت: ويجوز أن يُراد الأمران"[13]. وهذا من فضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

6. أن الله تعالى غفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا. ففي حديث مسلم السابق: (فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا:.. وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا، المُقْحِمات). يقول النووي في بيان معنى (المقحمات): "معناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار، وتقحمهم إياها، والتقحم: الوقوع في المهالك، ومعنى الكلام: من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات، والمراد، والله أعلم، بغفرانها: أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين، وليس المراد أنه لا يعذب أصلا"[14].

وختاما على المسلم أن يحذر من جميع الذنوب، فلا يقرب من كبيرها، ولا يستهين بصغيرها، أو يصر عليها لأنها قد تهلكه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه)[15].

وينبغي على المسلم إذا اقترف شيئا من المعاصي أن يبادر الى التوبة والاستغفار. لقول الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، فالتوبة واجبة على كل عبد من كل ذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له مهما بلغت ذنوبه رحمة من الله تعالى القائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


[1] - القاسمي: تفسير القاسمي، (6/ 428)

[2] - الزرقاني: شرح الزرقاني على الموطأ، (1/ 635)

[3] - مسلم: صحيح مسلم، برقم (172)

[4] - الطبري: تفسير الطبري، (17/ 332)

[5] - النووي: شرح النووي على مسلم، (2/ 238)

[6] - مسلم: صحيح مسلم، برقم (173)

[7] - الترمذي: سنن الترمذي، برقم (3276)

[8] - البخاري: صحيح البخاري، برقم (3887)

[9] - البخاري: صحيح البخاري، برقم (3887)

[10] - ابن رجب: فتح الباري، (2/ 304)

[11] - متفق عليه: أخرجه البخاري: صحيح البخاري، برقم(4008)، ومسلم: صحيح مسلم، برقم(807)

[12] - ابن حجر: فتح الباري، (9/ 56)

[13] - النووي: الأذكار، (ص: 90)

[14] - النووي: شرح النووي على مسلم (3/ 3)

[15] - أحمد: مسند أحمد، (37/ 467)