مائة عام كتبت تاريخ الهاشميين

الكاتب : سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة

أضيف بتاريخ : 13-04-2021


مائة عام كتبت تاريخ الهاشميين في الاعتدال والوسطية والحوار

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين وبعد:

فإننا ونحن نقف على أعتاب المئوية الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية نؤكد على أن هذا الوطن المبارك أُسست أركانه على قواعد راسخة من القيم الأصيلة، والمبادئ الوطنية التي أرساها الهاشميون فجمعت حولها قلوب الأردنيين على المحبة والأخوة، والتكاتف لبناء هذا الوطن، وصنعت وطناً آمناً متعاوناً على البر والتقوى.

وقد دأب الهاشميون منذ توليهم الحكم على تبني منهاج جدهم الأعظم صاحب الرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وهداية للفاسدين، يدعو الناس إلى سبل الخير والهداية، بالرفق واللين والطيب من القول، ناشراً قيم التسامح والرحمة بين الناس، وبقي هذا المنهج راسخاً يتوارثه آل البيت الأطهار من جيل إلى جيل، حتى حمل رايتها الشريف الحسين بن علي، الذي قاد نهضة الحق والعدل، فكانت ثورة تحمل التسامح والاعتدال وتنشر العلم والفضيلة في المجتمع الذي غاب عنها فترة من الزمن.

ولا تزال هذه البلاد بتكاتف شعبها تسعى بعمل دؤوب وقيادة مباركة للنهوض بهذه البلاد أرضاً وشعباً، منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبد الله الأول بن الحسين الذي استشهد مدافعاً عن المقدسات ومن أجل فلسطين والمسجد الأقصى الذي افتداه بروحه في وجه المدّ الأسود الذي أراد النيل من منهج الحق والعدالة، ولا زالت الخيرية في هذه البلاد بقيادة هاشمية استمدت شرعيتها من اتصالها بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم، تصون قيم الإسلام السمحة وتفديها بالمهج والأرواح، ولنا في مسيرة الملك طلال رحمه الله تعالى وجلالة الملك الحسين بن طلال خير شاهد من الثبات على المبادئ، والدفاع عن قيم الرحمة والتسامح التي جاء بها هذا الدين، واستمرت الخيرية بالقيادة تنمو بقوة وأمانة مستمدة من الإرث الهاشمي، وإن معركة الكرامة واللطرون وباب الواد خير شاهد على هذه التضحيات.

وحين تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، حمل هذه الأمانة بكفاءة واقتدار، وأدى رسالة الآباء والأجداد بكل عزيمة وبجهد دؤوب وعمل مستمر في داخل الأردن وخارجه مدافعاً عن الحق في جميع المحافل والمنتديات، ينشر الأمن والاطمئنان وقيم السماحة لسعادة الناس، ومحارباً للباطل أنّى كان، مبطلاً جميع الشبهات التي يحاول أصحاب الفكر المتطرف نسبتها له، وقد كان لجلالته سبق المبادرة والريادة في هذا المجال حين أطلق "رسالة عمان" رسالة الإسلام السمحة، التي تقدم للعالم تصوراً صحيحاً عن الدين الإسلامي وقيمه النبيلة، كما أطلق جلالته مبادرة "كلمة سواء" التي تشكل رؤية وأساساً للعيش المشترك بين جميع أطياف وأبناء المجتمع الواحد مهما تعددت انتماءاتهم الدينية أو توجهاتهم الفكرية، كما جاءت مبادرة "أسبوع الوئام العالمي بين الأديان" حدثاً عالمياً تبنته الأمم المتحدة ليصبح الأسبوع الأول من شهر شباط من كل عام أسبوعا لتذكير العالم بقيم المحبة والوئام التي ينبغي أن تسود المجتمعات، وأن يكون الدين سبباً لسعادة الناس لا لتعاستهم، ولتجميعهم لا لتفريقهم، وهذا هو جوهر رسالة الإسلام وأهم مبادئه، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الحجرات / 13، فجسد الأردن بقيادته الهاشمية منذ تأسيس الدولة إلى يومنا هذا خير مثال، وخير تجسيد لمعاني هذه الآية الكريمة، من خلال حرصه على توحيد الصف بين أبناء الشعب الواحد، واستقبال الأردنيين لإخوانهم اللاجئين من مختلف البلاد العربية والإسلامية، الذين اختاروا الأردن أرضاً آمنة، وشعباً كريماً، وملكاً لا يظلم عنده أحد.

سائلين الله تعالى أن يحفظ هذه البلاد أرضاً وشعباً وملكاً، لتبقى ترتقي في معارج العزة والكرامة، سامقةً في أرض التضحية والصمود، متماسكة بتكاتف أبنائها ومحبتهم، ناشرة لقيم السماحة والوسطية والاعتدال.