الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطّاهرين، أمّا بعد:
فتؤكد دائرة الإفتاء العام على أن المحافظة على النفس الإنسانية مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، ونلحظ ذلك في كتاب ربّنا سبحانه وتعالى، وسنة نبيّنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول الفقهاء الأجلاء من أئمة أمّتنا.
وفي سبيل صيانة الأنفس والمهج أمرنا سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم أن نقي أنفسنا من الأمراض السارية والمعدية وأنْ نتّخذ كل سبيل مشروع للحدّ من انتشارها بيننا فقال عليه الصلاة والسلام: (وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) صحيح البخاري، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) متفق عليه.
كما أمرنا بالحجر الصّحي كوسيلة وسبب لمنع انتشار المرض المعدي فقال: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) متفق عليه.
وبما سبق أخذ فقهاؤنا الأجلاء، قال شيخ الإسلام الإمام زكريّا الأنصاريّ الشافعي: "وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجْذُومَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ" أسنى المطالب (1 / 215)، وقد نصّ الإمام الشِّهاب ابن حجر الهيتميّ الشافعيّ على "أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ فِي نَحْوِ الْمَجْذُومِ خَشْيَةَ ضَرَرِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَنْعُ وَاجِبًا" الفتاوى الفقهية الكبرى (1 / 212).
وبناء على ما مرّ، يجبُ شرعًا على الجميع الالتزام الكامل بجميع التعليمات والإرشادات الصحيّة والتنظيميّة الصّادرة عن الجهات ذات الاختصاص، طاعة لله تعالى ولأولي الأمر قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) [سورة النساء:59 ]، كما يجب على الجميع اتّخاذ الوسائل اللازمة لمنع انتقال المرض وانتشاره من لبس للكمامة والحرص على مسافات الأمان والبعد عن التجمعات، وتجنب المصافحة والتقبيل، والحرص على أخذ الأدوية واللقاحات المناسبة، كما يحرم على من أصيب بمرضٍ معدٍ أو اشتبه بإصابته به أن ينقل المرض للآخرين من خلال مُخالطتهم، ويجب عليه أن يأخذ بالاحتياطات الصحية اللازمة، كالحجر الصّحي ولو في منزله، ويحرم عليه إخفاء إصابته بالمرض حتى لا يؤذي الآخرين.
نسأل الله تعالى أن يجعل بلدنا آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، وأن يحمينا من الأمراض والأسقام، إنه على ذلك قدير، وآخر دعونا أن الحمد لله ربّ العالمين.