أحكام صلاة التراويح

الكاتب : المفتي أحمد الكساسبة

أضيف بتاريخ : 15-06-2016


 

أحكام صلاة التراويح في المذهب الشافعي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

شهر رمضان موسم عظيم لتزود بالطاعات؛ ففيه تُضاعف الأجور، ومن أهم العبادات التي يختص بها هذا الشهر الفضيل: صلاة التراويح، وفي هذا المقال عرض لأهم أحكامها في المذهب الشافعي من خلال كتاب [مغني المحتاج للخطيب الشربيني]، وتمت الإشارة لأي مرجع آخر في موضعه.

سبب تسمية صلاة التراويح بهذا الاسم:

التراويح: جمع ترويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، كتسليمة من السلام، وسميت بهذا الاسم؛ لأن الصحابة كانوا يستريحون بين كل تسليمتين عندما اجتمعوا لصلاتها في بداية الأمر. [فتح الباري لابن حجر العسقلاني 4/250].

مشروعية صلاة التراويح:

صلاة التراويح سنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه).

وفي مشروعية صلاة التراويح جماعة؛ قال ابن شهاب: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما". "رواه البخاري" حديث رقم: (2009)، أي إن صلاة التراويح تشرع جماعة لإجماع الصحابة رضي الله عنهم.

عدد ركعات صلاة التراويح:

عدد ركعات صلاة التراويح عشرون ركعة، فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: (كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة".

ويثاب المصلي بقدر ما صلى من التراويح، فإن صلى  أقل من عشرين ركعة، فيثاب بقدر صلاته، ولا يجوز التشدد والإنكار على من صلى أقل من عشرين ركعة، ومن أراد أن يصلي عشرين ركعة، فله أن يصلي منفرداً بعد انتهاء الجماعة.

صفة صلاة التراويح:

- يُشترط لصحتها أن يستحضر المصلي نية صلاة التراويح، أو قيام الليل من رمضان، ولا يكفي أن ينوي صلاة النفل بشكل مطلق.
- تُصلى كل ركعتين معاً، ولا يصح صلاة أربع ركعات معاً؛ لأنه خلاف المشروع، فالتراويح شرعت فيها الجماعة، فأشبهت الفرائض، فلا تغير عن الصفة التي وردت فيها.

وقت صلاة التراويح:

وقت صلاة التراويح ما بين صلاة العشاء وصلاة الفجر، فلو جمع المصلي صلاة العشاء جمع تقديم بعذر المطر أو السفر، فيباح له صلاة التراويح بعدها مباشرة.

المناداة لصلاة التراويح:

لا حرج في المناداة لصلاة التراويح بـ "الصلاة جامعة" أو "الصلاة الصلاة"، أو حي، أو "هلموا إلى الصلاة"، أو "الصلاة رحمكم الله"، أو "التراويح أثابكم الله"، وتندب إجابة ذلك بلا حول ولا قوة إلا بالله. [بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم 1/185].

هل تسن لها الجماعة؟

يسن أداء صلاة التراويح والوتر بعدها في جماعة، وهو أفضل من صلاتها بشكل منفرد، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم ذلك في بداية الأمر، فعن عروة رضي الله تعالى عنه، أن عائشة رضي الله عنها، أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: (أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفترض عليكم، فتعجزوا عنها)، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك" "رواه البخاري" حديث رقم: (2012).

ويستدل على ذلك أيضاً بفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث جمع الرجال على أبي بن كعب، وجمع النساء على سليمان بن أبي حثمة في صلاة التراويح، فعن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل" ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: "نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله" رواه البخاري" حديث رقم: (2010).

الجلوس في صلاة التراويح:

- القيام في صلاة النافلة كالتراويح سنة، فيجوز للمصلي أن يصلي جالساً على الأرض أو على كرسي، وإن كان قادراً على القيام، ولكن من صلى جالساً دون عذر فله نصف أجر القائم، فعن ابن بريدة، قال: حدثني عمران بن حصين رضي الله عنه - وكان مبسوراً (أي مصاباً بمرض البواسير)- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، فقال: (إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً، فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً، فله نصف أجر القاعد). "رواه البخاري" حديث رقم: (1115).
- من صلى جالساً إن استطاع أن يأتي بالركوع والسجود تامين فيجب عليه فعل ذلك، بمعنى أن يركع وهو جالس، ويسجد سجوداً تاماً يلامس به الأرض، أما إن لم يستطع ذلك فيومئ بهما - أي يحني رأسه فقط- ويجعل السجود أخفض من الركوع.

القنوت في التراويح:

- يسن للمصلي القنوت في صلاة الوتر في النصف الثاني من رمضان، وإن  تركه أو نسيه لا يأثم بذلك، ولكن يستحب له أن يسجد للسهو قبل السلام، وأما في غير النصف الثاني من رمضان فلا يسن القنوت، ويجوز القنوت للنازلة في كل صلاة.
- يستحب رفع اليدين أثناء دعاء القنوت كما يرفعهما في سائر الأدعية.
- يستحب عدم  تطويل دعاء القنوت، بل الأفضل الاقتصار على المأثور، ولكن من أطال الدعاء فلا تبطل صلاته. 
- لا يمسح وجهه بكفيه بعد الفراغ من الدعاء في الصلاة، وأما في خارج الصلاة فلا مانع منه.

أحكام متفرقة في صلاة التراويح:

- صلاة التراويح من قيام الليل ولم يرد شرعاً ما يدل على تحديد مقدار معين واجب للقراءة في كل ركعة، وعلى الإمام مراعاة حال المأمومين، وعلى المأمومين تجنب إثارة المشاكل والخلافات حول مقدار القراءة، فمن لم يستطع الصلاة قائماً فيمكنه الجلوس أثناء القراءة، وقد ورد أن الصحابة كانوا يقرأون في كل ركعة من قيام رمضان بالمئين أي بمقدار مائة آية تقريباً، حتى أنهم كانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام. [مرقاة المفاتيح 2/971].
- يجوز للمصلي في صلاة التراويح أن يستعين بالقراءة من المصحف لقيام الحاجة الشرعية التي تنفي كراهة القراءة من المصحف،  كما هو الحال في صلاة الفرض.

- يجوز لمن فاتته صلاة العشاء مع الجماعة أن يصليها مقتدياً بمن يصلي النفل، كصلاة التراويح، ويتم صلاته بعد سلام الإمام.
- لا حرج في إلقاء المواعظ والدروس أو تقديم بعض الطعام أو الشراب أثناء الاستراحة بين الركعات، مع مراعاة حرمة المساجد والحفاظ على نظافتها.
- يجوز أن يتناوب على إمامة الناس في صلاة التراويح في كل ليلة أكثر من إمام.

ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه على ذلك قدير.