عزاء الرحمن لمن فقد الأحبة

الكاتب : المفتي الدكتور محمد بني طه

أضيف بتاريخ : 24-11-2015


عزاء الرحمن لمن فقد الأحبة والإخوان

المفتي د. محمد بني طه

 

الحمد لله الحي القيوم تفرد بالبقاء، وحكم على خلقه بالموت والفناء، فقال عز من قائل: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ) سورة الرحمن/ 27.

كل مخلوق سيموت        ليس في الدنيا ثبوت

أين من سكنوها عمرت      منهم قبور وخلت منهم بيوت

والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل: (إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب)[1].

أما بعد

فالدنيا دار ابتلاء ومصائب لا تكاد تصفو لأحد، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) سورة البقرة/ 155.

جبلت على الأكدار وأنت تريدها    صفوا من الأكدار والأقذار

والإنسان ما دام في هذه الحياة لا تنفك المصائب تقرعه بنابها، وتجرعه من كأسها، ومن أشدّ المصائب التي قد يصاب بها الإنسان مصيبة الموت، والذي يفرق بين الأحباب والأخلاء، كما روي عن الإمام البخاري رحمه الله لما ورد عليه كتاب فيه نعي الدارمي أنه نكس رأسه ثم رفع واسترجع، وجعل تسيل دموعه على خديه، ثم أنشأ يقول:

إن تبق تفجع بالأحبة كلهم    وفناء نفسك لا أبا لك أفجع[2]

ففقد الأحبة والإخوان مصيبة وأي مصيبة، كما قال الجواهري رحمه الله:

في ذمة الله ما ألقى وما أجد      أهذه صخرة أم هذه كبد

قد يقتل الحزن من أحبابه بعدوا   عنه فكيف بمن أحبابه فقدوا

لذلك شرعت التعزية والمواساة للتخفيف على من أصيب وفجع بفقد أحبابه، ولما فيها من تقوية أواصر المحبة في المجتمع، فقد ورد في مصنف عبد الرزاق: "من عزى مؤمناً بمصيبة دخلت عليه، كساه الله يوم القيامة رداء يحبر به، قلنا لعبد الرزاق: وكيف يعزى؟ قال: بلغني أن الحسن مرّ بأهل ميت فوقف عليهم، فقال: أعظم الله أجركم، وغفر الله لصاحبكم، ثم مضى ولم يقعد. قلنا له: من يعزى؟ قال: يعزى كل حزين، فقد يكون الرجل حزيناً لصاحبه وأخيه أشد من حزن أهله عليه"[3].

ومن رحمة الله بعباده أن عزاهم  بهذه المصيبة من خلال تنبيههم ولفت أنظارهم إلى عدة حقائق في كتابه العزيز، تشكل بمجموعها عزاءً لصاحب المصيبة، فيخف عليه وقعها، ويحرز نفسه عن الشيطان فلا يجزع ولا يسخط، بل يكون رابط الجأش صابرا محتسبا فيفوز في الدنيا والآخرة، ويمكن إجمال هذه الحقائق بما يلي:

1- أن الموت والحياة بيد الله تعالى وحده، وأنه تعالى خلق الآجال وقدرها، وكل شيء عنده بمقدار، فمن استقرّت عنده هذه الحقيقة تعزّى بأن الموت بيد الله تعالى قدره على خلقه فيصبر على قدر الله تعالى ويرضى به، فلا يسخط ولا يجزع منه، إذ العبد لا يكون مؤمنا ما لم يؤمن بهذه الحقيقة، والتي نبه القرآن عليها في عدة آيات منها:

أ- قال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) سورة الأنعام/ 61.

ب- قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة الحج/ 6.

ج- قال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) سورة الفرقان/ 3.

د- قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سورة سبأ/ 14.

ه- قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) سورة يس/ 12.

و- قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة الشورى 9.

ز- قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) سورة الملك/ 2.

ح- قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) سورة آل عمران/ 145.

ط- قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) سورة المؤمنون/ 99.

ي- قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة لقمان/ 34.

ك- قال تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) سورة الواقعة/ 60.

ل- قال تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) سورة يونس/ 49.

2- أن الموت مكتوب على كل الخلق ولا ينجو منه أحد ولا ينفع معه حذر، فكأن الله تعالى يقول لصاحب المصيبة لا تجزع من موتك ولا موت من تحب فلست الوحيد، فالكل سيشرب من كأس الموت فتأسى بغيرك، وكما قالت الخنساء:

فلولا كثرة الباكين حولي        على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل صخر ولكن    أعزي النفس عنه بالتأسي

وقد نبّه القرآن على أن الموت مكتوب على كل الخلق ولا ينجو منه أحد ولا ينفع معه حذر، وذلك في عدة آيات منها:

أ- قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) سورة البقرة/243.

ب- قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة آل عمران/ 185.

قال ابن كثير: "وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس، فإِنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت، فإِذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها في صلب آدم وانتهت البرية، أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها، كبيرها وصغيرها، فلا يظلم أحدا مثقال ذرة"[4].

ج- قال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) سورة النساء/ 78.

د- قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) سورة الأنبياء/ 35.

ه- قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) سورة العنكبوت/ 57.

و- قال تعالى: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) سورة الأحزاب/ 16.

ح- قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة الجمعة/ 8.

ط- قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) سورة الأنبياء/ 34.

3- أن الموت ليس النهاية وأن مرجعنا جميعا إلى الله، وبما أن مرجعنا إلى الله فلنعد للقاء الله من الأعمال التي تقر بها أعيننا وتطمئن بها قلوبنا عند لقاء الله فلا تقتصر نظرتنا وهمتنا على الموت بل تتعدى لما بعد الموت، وقد نبه القرآن على هذه الحقيقة في عدة آيات منها:

أ- قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) سورة العنكبوت/ 57.

ب- قال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) سورة السجدة/ 11.

ج- قال تعالى:  (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة آل عمران/ 185.

د- قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة الجمعة/ 8.

يقول ابن عجيبة رحمه الله:" فلا بد لهذا الوجود بما فيه أن تنهد دعائمه، وتُسلَب كرائمه، ولا بد من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دار التعب إلى دار الهناء، ومن دار العمل إلى دار الجزاء. فالعاقل من أعرض بكليته عن هذه الدار، وصرف وجهته إلى دار القرار، فاشتغل بالتزود للرحيل، وبالتأهب للمسير، فلا مطمع للخلود في هذه الدار، وقد رحل منها الأنبياء والصالحون والأبرار".[5]

4- التنبيه على أن الموت هو موت القلب عندما يخلو من ذكر الله ومعرفته والإيمان به، وهو أشد إيلاما من مفارقة الروح للجسد؛ لأن الألم المترتب على خلو القلب من الإيمان ألم دائم وحسرة أبدية، بينما ألم مفارقة الروح للجسد ألم آني يزول بخروج الروح، والحياة هي حياة القلب مع الله بتوحيده ومعرفته وحبه، وقد نبه القرآن على هذه الحقيقة في عدة آيات منها:

أ- قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام/ 122.

ب- قال تعالى: (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (سورة النحل: 21).

5- إن حياة الإنسان الدنيا التي ينهيها الموت لا تساوي شيئا مع الآخرة، حيث لا موت هناك بل خلود في النعيم أو خلود في الجحيم ـ والعياذ بالله ـ، فالمؤمن ينظر للموت على أنه بوابة الخروج من سجن الدنيا إلى ما ينتظره من نعيم عند الله، بخلاف الكافر الخاسر الذي ينظر للموت على أنه نهاية متاعه القليل في هذه الحياة الدنيا، وقد نبه القرآن على هذه الحقيقة في عدة آيات منها:

أ- قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة آل عمران/ 185.

ب- قال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) سورة الأنعام/ 32.

ج- قال تعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) سورة الرعد/ 26.

د- قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة الحديد/20.

ه- قال تعالى: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) سورة الدخان/ 56.

6- إن الموت للمؤمن يكون هينا، وذلك بتثبيت الله له وبطمئنته وتبشيره برضوان الله ومحبة الله للقائه، بخلاف الكافر الذي يكون الموت عسيرا عليه عندما يرى ما ينتظره من سخط  وعذاب، وقد نبه القرآن على هذه الحقيقة في عدة آيات منها:

أ- قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) سورة الأنعام/ 93.

ب- قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) سورة الأنفال/ 50.

ج- قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) سورة إبراهيم/ 27.

7- إن الموت رغم مرارته وأهواله وصعوبته يكون أمنية لأهل النار، فلا تجزعوا من الموت إذا كان الميت قد استعد للقاء الله، فإن ما تجزعون منه وتكرهون سيكون أمنية لأهل النار والعياذ بالله، وقد ورد ذلك في عدد من الآيات منها:

أ- قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى) سورة طه/ 74.

ب- قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) سورة فاطر/ 36.

ج- قال تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) سورة الزخرف/ 77.

8- إنه بالموت ينتهي التكليف، وتنتهي معه مكابدة المؤمن للمشاق والمصاعب والمتاعب، ويبدأ بقطف ثمار ما قدم في حياته، فمن مات وكان مستعدا للقاء الله فقد انتقل من دار التكليف والهم والحزن إلى دار الجزاء والسرور، فلا يحزن عليه لأنه انتقل لجني ثمار أعماله في دار السرور عند رب غفور شكور، وقد ورد ذلك في عدد من الآيات منها:

أ- قال تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) سورة فاطر/ 34.

ب- قال تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة النحل/ 32.

فالمتدبر لهذه الآيات تتجلى له سعة رحمة الله بعباده، حيث عزاهم بمصيبة الموت أحسن تعزية فتهون عليه مصيبته ويصبر ويحتسب ويرضى بحكم الله وحكمته، فيحوز الأجر العظيم والثناء الحسن في الدنيا والآخرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى ظهور عادات وتصرفات لبعض المسلمين في مناسبات العزاء في وقتنا هذا بعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الحنيف، وقد تعود على أصحابها بالوزر بدلا من الأجر، خلا ما قد تجره تلك المظاهر الدخيلة من التزامات وتبعات مالية تثقل كاهل أصحاب المصاب وتزيد من مصابهم، وقد حذرت دائرة الإفتاء الأردنية مأجورة ومشكورة من تلك المظاهر الدخيلة من خلال فتاويها المنشورة على موقعها الالكتروني والتي من أشهرها الفتاوى ذات الرقم(559 ،2241 ، 2242).

وفي الختام؛ جعلني الله وإياكم وجميع المسلمين من الصابرين المحتسبين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


[1]) الطبقات الكبرى لابن سعد - (2 / 275)، رواه الطبراني في الكبير حديث 6579، وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد وثقه ابن حبان وضعفه غيره. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد . محقق - (3 / 10).

[2]) سير أعلام النبلاء - (12 / 228)

[3]) مصنف عبد الرزاق - (3 / 396)

[4] تفسير ابن كثير / دار الفكر - (1 / 535)

[5] البحر المديد - (4 / 509)