مختصر أحكام النية في الصيام

الكاتب : المفتي أحمد الكساسبة

أضيف بتاريخ : 08-07-2015


مختصر أحكام النية في الصيام

فضيلة المفتي أحمد الكساسبة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الصيام ركن من أركان الدين العظيم، ويشترط فيه ما يشترط في سائر العبادات من وجوب النية، لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة/5. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما جاهر إليه) متفق عليه، فالنية ركن من أركان الصيام سواء كان واجباً –صيام رمضان، قضاء رمضان، النذر، الكفارات- أم نفلاً، مع الاختلاف في تفاصيل النية في بعض الأحكام، ولذا سيتم عرض لأهم أحكام النية في المذهب الشافعي من خلال كتاب "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني رحمه الله تعالى، وسيتم الإشارة لأي مرجع آخر إن تمت الاستفادة منه في موضعه.

تعريف النية:

النية هي: قصد القلب شيئاً مقترناً بفعله.

التلفظ بالنية:

- النية محلها القلب، ولا يشترط لصحتها التلفظ بها، ولكن يستحب ذلك؛ ليوافق اللسان القلب وخروجاً من خلاف العلماء في هذه المسألة. "بشرى الكريم" (1/216(.

- التلفظ بالنية دون استحضار ذلك في القلب لا يجزئ.

وقت النية:

- يبدأ وقت النية للصيام الواجب من بعد غروب ليلة هذا اليوم، ويستمر وقتها إلى قبل الفجر، فلو نوى قبل غروب الشمس أو نوى بعد الفجر أو مع طلوع الفجر –عند بدء المؤذن برفع أذان الفجر الثاني- فلا تصح نيته هذه.

- يستحب أن تكون النية بعد النصف الثاني من الليل، وتصح من أوله كما سبق بيانه.

هل يكفي السحور عن النية؟

- السحور يكفي عن النية إذا كان المسلم ذاكراً للصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها وهي الإمساك عن المفطرات، وأنه عن رمضان أو قضاء أو نذر.

- أما من شارك غيره بالسحور ولم يكن ناوياً الصيام حتى طلع الفجر، فلا يجزئ تسحره عن النية، ويجب عليه الإمساك عن المفطرات وقضاء بدل هذا اليوم.

تبييت النية:

تبييت النية يعني استحضار نية الصيام قبل طلوع الفجر.

- يجب تبييت النية لكل يوم من أيام رمضان لأن كل يوم هو عبادة مستقلة، لقوله صلى الله عليه وسلم، قال: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر، فلا صيام له) "رواه النسائي" حديث رقم:(2331).

- كما يجب تبييت النية في كل صوم واجب كصيام قضاء رمضان والصيام المنذور، وصيام الكفارات.

- لا يجب تبييت النية في صيام النفل، وتصح النية فيه إلى قبل زوال الشمس أي قبل دخول وقت الظهر؛ فعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم، فقال: (أصبح عندكم شيء تطعمينيه؟) فنقول: لا، فيقول: (إني صائم) ، ثم جاءها بعد ذلك، فقالت: أهديت لنا هدية، فقال: (ما هي؟) قالت: حيس، قال: (قد أصبحت صائما) فأكل" رواه النسائي" حديث رقم: (4/194).

يشترط لصحة نية صيام النفل قبل الزوال أن لا يسبقها ما ينافي الصيام كتناول الطعام أو الشراب أو الجماع، الجنون، أو الردة، وغيرها من مبطلات الصيام.

- تبييت النية شرط لصحة صيام الواجب سواء ذلك في حق البالغ والصبي، مع أن الصوم ليس واجباً على الصبي.

تعيين النية:

- تعيين النية يعني: أن يستحضر المسلم في نية الصيام الواجب جنس الصيام الذي ينويه، كصيام رمضان أو قضاء رمضان أو النذر، أو الكفارات؛ لأن الصيام عبادة مضافة إلى وقت فوجب التعيين في نيتها قياساً على تعيين النية في الصلوات الخمس.

- لا يجب تعيين نوع الصيام، كأن يحدد أن هذا صيام عن رمضان هذا العام، أو يحدد صيام نوع الكفارة ككفارة يمين أو ظهار، أو نذر تبرر أو نذر لجاج، فلو كان على المسلم قضاء أيام من رمضانين فنوى صيام القضاء دون تحديد السنة فصيامه صحيح، كذلك لو كان عليه صيام أكثر من كفارة فنوى صيام الكفارة دون تحديد نوعها فصيامه صحيح، وينطبق نفس الحكم على سائر الصوم الواجب. "إعانة الطالبين" (2/251).

- لا يجب تعيين جنس ولا نوع الصيام في صوم النفل، سواء النفل المطلق أو المؤقت كصيام الاثنين والخميس، وأيام البيض، وعاشورا، وشوال، وعرفة، ويستحب فعل ذلك، خروجاً من خلاف العلماء في ذلك، وقد بينوا أن الصائم يتحصل على ثواب إيقاع الصوم في هذه الأيام، لأن الصوم في الأيام المذكورة منصرف إليها بل لو نوى به غيرها حصل أيضا كتحية المسجد؛ لأن المقصود وجود صومها.  

- والصيغة الكاملة لنية صيام كل يوم من رمضان أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى.

-  لو تيقن المسلم أنه قد وجب عليه صيام، ولكنه جهل سبب ما عليه من الصوم من كونه قضاء عن رمضان أو نذراً أو كفارة، فيكفيه أن ينوي صيام هذا اليوم عن الصيام الواجب عليه، ولا يشترط تعيين جنس الصوم  للضرورة، وذلك قياساً على من نسي صلاة من الصلوات الخمس لا يعرف عينها، فإنه يصلي الصلوات الخمس ويجزئه عما عليه، ويعذر في عدم جزمه بالنية للضرورة.

تعليق النية:

- إذا علق المسلم نية الصيام على المشيئة (إن شاء الله تعالى)، كأن يقول نويت صيام غد من رمضان إن شاء الله تعالى، فإن تعليق النية على مشيئة الله تعالى أو لم ينو بها شيئاً، فنيته غير صحيحة؛ لان من شروط صحة النية أن تكون منجزة، والتعليق على المشيئة ينافي التنجيز فيها.

 أما إن قصد التبرك بذكره المشيئة، مع جزمه بالنية فنيته صحيحة.

-  لو قال ليلة الثلاثين من شعبان: "نويت الصيام غداً إن كان من رمضان"، فبان هذا اليوم هو اليوم الأول من رمضان، فنيته غير صحيحة لعدم جزمه بالنية.

أما لو نوى هذه النية وغلب على ظنه أنه من رمضان، كأن أخبره بذلك من يعتقد صدقه من النساء أو الفسقة أو الصبيان الرشداء، فنيته صحيحة؛ لأن غلبة الظن هنا كاليقين كما في أوقات الصلوات، فتصح النية المبنية عليه، ولا يشترط له تجديد النية في حال ثبت أن غد من رمضان ليلاً.

- لو قال ليلة الثلاثين من رمضان: "نويت صيام غد من رمضان إن كان من رمضان" فنيته صحيحة إن كان هذا اليوم هو المتمم لرمضان؛ لأن الأصل بقاء شهر رمضان، قياساً على لو قال هذه زكاة مالي الغائب إن كان سالما فثبت أن ماله كان سالما أجزأته هذه النية.

- للصائم أن يعتمد في نيته على حكم الحاكم، ولا بأس في التردد الذي يبقى بعد حكم القاضي بشهادة عدلين أو عدل واحد، فإذا أعلنت الجهات المختصة كدائرة قاضي القضاة عن ثبوت هلال شهر رمضان فيأخذ به المسلم ولا يلتفت إلى التردد في النية الذي يحصل له حتى لو صدر من جهات أخرى غير ذلك، ولو كان مستنداً إلى شهادة عدلين.

نية الحائض أو النفساء الصيام:

إذا نوت الحائض أو النفساء الصيام قبل رؤية علامة الطهر، ثم ثبت طهرها ليلاً قبل أذان الفجر الثاني، وقامت بتجديد نية الصيام فنيتها صحيحة.

- أما إذا لم تجدد نية الصيام فنيتها صحيحة إذا تحقق أحد الشرطين التاليين:

1- إذا كان قد مر على حيضتها أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوماً، وكذلك الحال بالنسبة للنفاس إذا مر عليها ستون يوماً.

2- أو إذا كان قد مر على حيضتها المدة المعتادة لها، فإذا كانت عادتها سبعة أيام فتصح نيتها إذا انقضت سبعة أيام على حيضتها؛ لأن الظاهر استمرار العادة سواء اتحدت أم اختلفت واتسقت ولم تنس اتساقها  أما من كانت عادتها متغيرة ولم تميز ذلك فلا تصح نيتها ولو مر عليها قدر عادتها.

ما يقطع النية وما لا يقطعها:

- لا يقطع النية القيام بما ينافي الصيام كالأكل أو الشرب أو الجماع أو سائر المفطرات، إذا كان ذلك قبل أذان الفجر الثاني، لأن العبادة المنوية لم يتلبس بها بعد، ولكن يستحب له تجديد النية خروجاً من الخلاف في هذه المسالة.

- لا يلزم المسلم تجديد النية إذا نوى الصيام ثم نام بعدها، ثم استيقظ من نومه قبل الفجر، لأن النوم لا ينافي الصيام، ولكن يستحب له تجديد النية.

إذا ارتد المسلم كأن سب الدين أو غيره من المكفرات بعدما نوى الصيام، ثم رجع وتاب قبل الفجر، فيلزمه تجديد النية ولا تجزئه النية السابقة.

- لو نوى صيام قضاء رمضان ثم رفض نيته قبل الفجر بمعنى أنه أراد التراجع عن نيته هذه وأراد تحويلها إلى نية صيام آخر، كصيام الكفارة، فيلزمه تجديد النية يعني لو رفض النية قبل الفجر احتاج لتجديدها، أما لو خطر له ذلك بعد الفجر فلا يضر رفضه لنيته هذه.

التشريك في نية قضاء رمضان مع نية صيام ست من شوال:

من جمع في نيته بين صيام ست من  شوال، وصيام القضاء، حصل له القضاء، ورُجي له أن ينال أجر صيام ست من شوال  أيضا إن شاء الله، فالحديث الشريف الوارد في فضلها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) "رواه مسلم" (حديث رقم:1164)، حديث مطلق يدل على أن المطلوب إشغال هذه الأيام بالصيام، سواء كان صيام نافلة أو نذر أو قضاء، فكلها تتداخل فيها النوايا والأجور.

وقد وقع خلاف في هذه المسألة، لكن الجواز هو المعتمد الذي أفتى به كثير من العلماء، وإن كان الأحوط فصل كل صيام على حدة.

ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه على ذلك قدير.