الإسلام دين الحياة

الكاتب : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله

أضيف بتاريخ : 21-04-2015


الإسلام دين الحياة والطريق إلى الخلود

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من الناس من ينظر إلى الإسلام نظرة فلسفية، فيحللون كثيراً من مواقفه ويعللون أحكامه ويبحثون جوانبه، وهؤلاء يستطيعون أن يقدموا للناس كل يوم ألواناً من الحديث، وغرائب من الطرق، يُلفتون بها الانتباه إليهم ليُشار لهم بالبنان، ولكنهم من ناحية ثانية يقفون عند هذا الحد لا يجاوزونه، وعملهم ليس بالمجهد ولا الشاق، إنما هي التأمل في الأحكام، والتفطن إلى العلل ثم الصياغة بالتعبير عما وصلت إليه القريحة باللفظ المنمق.

ومن الناس من لا يهمه كثيراً التعليل والبحث، وإنما يهمه أن يعلم الحكم الإسلامي فيطبقه على نفسه، ويقوِّم حياته على ضوءه، وبعد ذلك يبحث أو لا يبحث عن الحكم والأسباب.

والفرق واضح بين الأول والثاني، فشتان بين من يسمع المؤذن فيبادر إلى الصلاة، وبين من يسمعه فيبادر إلى قلمه وقرطاسه ليكتب تحليلاً وافياً ضافياً عن معنى الأذان وسمو مقاصده وجمال ألفاظه فيكتب عن ذلك الصفحات، ثم يَعد القُراء أن يحدثهم عن الصلاة في لقاء آخر، دون أن يحدثه ضميره أن يقوم ليؤدي واجبه ويسجد خاشعاً أمام عظمة ربه، إن هذا قد لا يُدرك عقله الحكمة في بعض المسائل، فيتسرب الشك إلى نفسه ويبدأ يحاول إخضاع الدين لآرائه، ويبدأ يجور فيه حسب ما تُمليه عليه تأملاته، وهذا أول الطريق إلى مخالفة الدين وتحريفه، وأول الطريق إلى مقت الناس ونبذهم له، بما جعله الله في قلوب الأمة من نور يميزون به بين الحق والباطل، وتنفيذاً لوعد الله في كتابه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر /9.

ولا شك أن الله أطلع نبيه على هذا النوع من الناس الذين سيظهرون في أمته، فحذرهم عليه الصلاة والسلام من ذلك بقوله: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ)، وأما الذين يريدون أن يجعلوا ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام تبعاً لأهوائهم فأولئك الذين قال الله عنهم: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) الأنعام /119.

وليس من شك أيضاً أن أحكام الإسلام منها ما يستطيع العقل أن يتلمس جوانب الحكمة فيه، وبعضها ما لا يستطيع العقل أن يدرك السر في تشريعه، وأمام هذه الأحكام تختلف مواقف الناس.

ولا يعني هذا أن الإسلام به من الأحكام ما لا يُطيقه البشر، وإنما يصلح للملائكة الذين فُطروا على الطاعة، فإن الإسلام دين واقعي يراعي ظروف البشر وما فُطروا عليه، ولذلك شرع الرخص، وهي تخفيف العبادات في حالة السفر والمرض وغيرهما من الأعذار.

ثم لم يترك الإسلام صغيرة ولا كبيرة من نواحي الحياة إلا وطرقها ووضع لها الحل، وخطط للناس الطريق أمامها، وحسبنا أن نعلم أن أعمال النبي عليه السلام في غالبيتها تعتبر تشريعاً، وهي حياة واحد من البشر يسير بنور الله، وإنساناً يعيش ثلاثاً وعشرين سنة لا بد أن يمر خلالها في كل ما يمر به البشر، وأن يتقلب في الظروف البشرية العادية، وهذا يعني أن هذا الدين يستطيع البشر تطبيقه على أنفسهم، لا أنه صالح للملائكة فحسب؛ لأنه اقتداء بحياة إنسان من الناس، ولا أدل على ذلك من تطبيق الصحابة له، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم منعزلاً ولا منزوياً في بيته، ولكنه كان رجل الحياة الذي خاض غمارها في الحرب والسلم، وفي التجارة والبيع، وفي القضاء والحكم، وقد حفظت لنا سيرته التي تبين أن الإسلام لم يكبله في تصرفاته، وإنما كان يوجهه إلى أرشد طريق وأقومه حتى استطاع في فترة نبوته أن يحقق ما لم يحققه أحد من السابقين ولا اللاحقين، وليس هذا فقط؛ بل أخرج جيلاً لا يزال مضرب المثل، واستطاع أن يغرس في القلوب ديناً قوياً ما نزال نحس بدفعه القوي حتى الآن.

إن مقارنةً خاطفةً بين الإسلام وبعض الأديان الروحانية تبين لنا الفرق الواضح، فتلك أديان تعكف على الروح ورياضتها، وتهمل الحياة وتزهدها في أعين الناس، بل تعتبرها رجساً يجب التخلص منها بأي طريق ممكن، وبعضها يدعو إلى تحمل الأذى وقبول الضيم؛ لأنه طريق الرفعة في الملكوت الأعلى، وقد اضطروا إلى مخالفة هذا المبدأ؛ لأنه لا يصلح للحياة التي خُلق الخير والشر فيها متقارنان لا يمكن أن تتم السيادة المطلقة لواحد منها في هذا العالم كله.

أما الإسلام فهذا كتابه ينطق: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة/190، ثم يأمر بمطاردة الشر أينما وجد: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) البقرة/191، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) التوبة/123، ثم يعود ليقول في حالة السلم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/ 282، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/ 1، واستعراض واقعية الإسلام في كل المجالات يطول.

والسير على وفق أحكام الإسلام بحذافيرها بلا مداورة ولا مواربة هو سبب الخلود في الآخرة، ولا أريد بذلك أي خلود كان، فإن الإنسان خُلق ليكون خالداً ولكن منهم من يخلد في الجنة ومنهم من يخلد في النار (أَلَا إِنَّهَا جَنَّةٌ أَبَداً أَوْ نَارٌ أَبَداً)، وقال تعالى: (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/81- 82، فالخلود محقق، ولكن شتان بين الخلودين، وإذا آمنّا بأن هذا الدين من عند الله وأن الله طالبنا بتطبيقه، وسيحاسبنا على كل مخالفة، ويثيبنا على كل طاعة، كانت النتيجة أن نوقن بأن الخلود في الجنة للمطيعين والصالحين، وأن العصاة والمخالفين لهم موقف تشيب من هوله الأطفال، وإذا علمنا أن الله يقول: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/ 19، ويقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/ 85.

إذا علمنا هذا آمنّا بأن الإسلام هو طريق الخلود في الجنة.