بيان حول من تسبب بالعدوى لغيره

الكاتب : دائرة الإفتاء العام

أضيف بتاريخ : 08-04-2020


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطّاهرين، وبعد:

فيحرم على من أصيب بمرض معدٍ (كالكورونا)، أو اشتبه بإصابته به أن يخالط سائر الناس؛ حتى لا يكون سببًا في نقل العدوى والمرض إليهم، ممّا يترتب عليه الإضرار بهم، بشكلٍ خاص، والإضرار بالبلد وأمنه الصحي والاقتصادي بشكل عام، ويعطّل مصالح العباد والبلاد.

وقد أمرنا النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحجر الصحيّ عند وجود الطّاعون الذي هو وباء معدٍ، فقال: )إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ( متفق عليه، والنّهي الوارد في الحديث حمله العلماء على التحريم، أي تحريم الدّخول في البلد الذي وقع فيه الوباء (الطاعون) وتحريم الخروج منه.

 وقد سئل الإمامُ الشّهاب الرمليّ عن ذلك، فأجاب: "بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ حَرَامٌ".

 فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: "الطَّاعُونُ مَوْتٌ شَامِلٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفِرَّ مِنْ أَرْضٍ نَزَلَ فِيهَا، وَأَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الْأَرْضِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا".

 وَقَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: "إنَّهُ مَذْهَبُنَا (أي مذهب الشافعية) وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. اهـ. أَيْ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهِيَ التَّحْرِيمُ" فتاوى الرّمليّ.

 وعليه يُقاس كلّ وباءٍ معدٍ مثل (الكورونا) فلا يحِلّ للمصابٍ به أن يخالطَ غيرَهُ من الناس، حيث يتسبب ذلك بإلحاق الضرر بهم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم بيّن حرمة إلحاق الضرر بالآخرين فقال: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) رواه مالك في الموطأ.

بل يجب عليه أن يلتزم بالحجر الصحي وكل التوجيهات التي يقرّرها أهل الاختصاص، ومن لم يلتزم بذلك فهو آثمٌ شرعًا، وهو من باب الإفساد في الأرض قال الله تعالى: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) [المائدة: 33] ويستحق العقوبة في الآخرة والدنيا لمخالفته لأمر الله تعالى ورسوله ومخالفته لولي الأمر الذي منع من التجول والمخالطة وأمره بذلك يحقق مصلحة للناس وتصرف الراعي منوط بالمصلحة كما يقرر الفقهاء وعقوبته يقدرها وليّ الأمر حسب الضرر الناتج .

وكل من يتهاون في الحجر ويخالط الاخرين، مع علمه أنه مصاب وأن مرضه معدٍ، ويتسبب بموت غيره فهو قاتل وعليه الدّية، والكفارة صيام شهرين متتابعين، ويتكرر ذلك بعدد من مات بسببه، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92].

 وعليه فيجب شرعاً على من كان مصابًا بفيروس (كورونا) أو كان مشتبها بإصابته، أن يبادر إلى أقرب مركز صحيّ، لاتخاذ التّدابير الصحيّة اللازمة والملائمة لحفظ صحته ونفسه، وتجنيب الآخرين خطر العدوى ومن خالف ذلك فهو آثم شرعاً مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة، فإن نجا من العقوبة في الدنيا فلن ينجوَ منها في الآخرة ما لم يتب، وحسابه عند ربه. والله تعالى أعلم