بيان حول الصبر على المُعسر

الكاتب : دائرة الإفتاء العام

أضيف بتاريخ : 30-03-2020


الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، وبعد:

ففي هذا الظروف الصّعبة التي يمرّ بها العالَم، تضيق الأحوال بالذين يعيشون الكَفاف، والذين يحصلون على أرزاقهم يومًا بيوم، فإذا تعطّلت أعمالهم وأشغالهم، لم يجدوا ما يقتاتون به، ومع ذلك ينطبق عليهم قول ربّنا سبحانه: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] لذا صار لزامًا على كلّ واجِدٍ ومقتدرٍ أن يتفقّدَ أحوال الذين يعرفهم من إخوانه الضعفاء والفقراء، وأن يبادرَ بمدّ يد العون والمساعدة لهم، بما يخفّف عنهم، ويحقق لهم الحدّ الأدنى من العيش الكريم، وهذه مسؤولية دينية ومجتمعية على الأغنياء والميسورين من أبناء المجتمع تجاه إخوانهم، وبهذا تعلو روح التعاون والتضامن والتكافل بين أفراد المجتمع، وتسود المحبة والألفة بينهم، يقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) رواه مسلم. وحال التعاون والتكاتف والتكافل هي الحال التي يحبّها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) متفق عليه.

فمساعدة الآخرين، ومسامحتهم، والعفو عن بعض الحقوق المستحقّة عليهم، أو تأجيل تحصيلها أو بعضها، تضامنا معهم في هذا الظّرف الحَرج، دليلٌ على الرحمة الكامنة في القلب، وهؤلاء الرحماء قد بشّرهم النبي عليه الصلاة والسلام برحمة الله تعالى حيث قال: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه أبو داود والترمذي. وذلك لأنّ المؤمن إذا رأى صاحب المُصاب أو الحاجة رحمه فعفا عنه أو قضى حاجته عامله الله تعالى بالمثل فرحمه، بسبب رحمته بعباد الله، والجزاء من جنس العمل.

وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من قسوة القلب، الذي فقد الرحمة، فلا يشعر صاحبه مع الناس، ويبخل عليهم بأي مساعدة مع قدرته عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ) رواه أبو داود والترمذي.

وقد أمرنا ربّنا سبحانه بالصبر على المُعسر بل وندبنا إلى التجاوز عنه، فقال سبحانه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] وبهذا جاءت السّنّةُ المطهرة، فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ) متفق عليه.

لذا ندعو المؤمنين جميعا أن يتراحموا فيما بينهم، وأن يتصالحوا ويتسامحوا، ويعفو بعضهم عن بعض، ويقوم أحدهم بحاجة أخيه إن استطاع، وأن يمهل صاحب الحق من عليه الحق، وأن يتجاوز إن أمكنه، والله وليّ التوفيق.