الإسلام طريق الجنة

الكاتب : مقالات سماحة المفتي العام

أضيف بتاريخ : 28-02-2010


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 سماحة المفتي العام: الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله

 

تتّفق الديانات السماوية على الإيمان بالله، ووحدة الأصل الإنساني، وعلى أنّ الله تعالى سيجازي الناس يوم القيامة على ما عملوه في الدنيا،  كما يتفقون على أن الله تعالى قد أرسل للناس أنبياء يدلّونهم على طريق الخير، لأنّ الله يحبّ لعباده الخير، ويهديهم إلى الطريق الصحيح.

هذا إلى جانب العديد من القواعد الإيمانية المشتركة بين الديانات.

وإيمانهم بالله معناه أنّ هذا الكون له صانع صنعه وأتقنه، فوجود الأشياء بعد أن لم تكن موجودة لا بد لها من موجد، والنظام العجيب في كل كبيرة وصغيرة في الكون لا بدّ له من منظّم، والإحساسات الوجدانية غير المادية لا بد أنها تنبع من عالم آخر،  وهذا ما أخبرنا به جميع الأنبياء والمرسلين.

وأما وحدة الأصل الإنساني فلأن الكل يعتقد بأن البشر هم جميعاً أبناء آدم وحوّاء، إذاً هم جميعاً إخوان، ويجب أن تكون بينهم المحبة والنصيحة، والعمل المشترك لما يجعلهم سعداء في الدنيا والآخرة.

وإذا كان الموت حقيقة لا ينكرها أحد، فإن من وراء هذه الحياة حساب على الأعمال التي كانت في الدنيا، لأن الله تعالى عادل، ونحن نرى بعض المظلومين لا يأخذون حقوقهم في الدنيا،  إذاً لابد أن تكون هناك حياة أخرى يأخذ فيها كل إنسان حقه.

هذه المعلومات والحقائق هي التي تميز الإنسان عن بقية المخلوقات، فنحن نرى حيوانات تأكل وتشرب وتتكاثر وليس لها هدف, أما المؤمنون فهم جميعاً يحسبون الحساب لما بعد الموت ويريدون السعادة في الدار الآخرة، والذي دلّهم على هذه الحقيقة هم الأنبياء الذين بعثهم الله للناس.

وأقدم الديانات السماوية الثلاث التي اشتهرت:هي اليهودية التي تتبع سيدنا موسى عليه السلام، الذي أنزل الله عليه التوراة، ثم المسيحية التي تتبع السيد المسيح عليه السلام الذي نزل عليه الإنجيل، ثم الإسلام الذي أوحاه الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم والذي نزل عليه القران، ثم حفظ الله القرآن إلى الأبد.

والفرق بين الإسلام وهذه الديانات:أن أتباع اليهودية لا يؤمنون بالنصرانية، ولا بالإسلام، وأن أتباع اليهودية والنصرانية لا يؤمنون بالإسلام، بينما يؤمن المسلمون بأن موسى نبي، ونزل عليه كتاب هو التوراة، وعيسى نبي، ونزل عليه كتاب هو الإنجيل، ومن هنا نرى بعض الإساءات لمحمد صلى الله عليه وسلم تصدر من غير المسلمين، بينما لا نرى مسلما يسيء إلى موسى وعيسى وإبراهيم عليهما السلام، وهذه المشكلة لا بد لها من حلّ، وأقل ذلك التعامل بالمثل بمعنى: أن تحترم الديانات الأخرى الإسلام  كما يحترم المسلمون موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، ويؤمنون إيمانا مجملا بما نزل عليهم من كتب، أما إذا أردنا أن نصل إلى أكثر من ذلك فيجب أن نحتكم للمنطق، والذي يقتضي الإيمان بجميع الرسل، باعتبارهم مبلغين عن الله تعالى، وإذا كان  هناك اختلاف في التعاليم التي جاؤوا بها  فيجب أن يُتّبع الأمر الأخير بلغة العسكرية، والأمر الأخير من الله هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

إن الذي يترك التعصب جانبا لا بد أن يصل إلى هذه النتيجة، والإسلام دين يشمل المعتقدات والسلوك والتربية الروحية، أما المعتقدات فنحن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

ولا يكون الإنسان صادقا في إيمانه إلا إذا ظهرت عليه آثار هذه العقيدة،  فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، واحترم جميع الأنبياء، وأقام الصلاة، وصام رمضان، وأدى الزكاة، وحج إلى الكعبة إن استطاع، وكان في سلوكه مع الناس صادقا أمينا يعمل بكل التعاليم الإسلامية، وهذا هو الإسلام.

والتمسك بهذه المبادئ والتعليمات يجب أن يكون من أجل أن يرضى الله تبارك وتعالى، ويتم ذلك بأن يعمل الإنسان العمل الصالح وهو يلاحظ تماما أن الله ينظر إليه، ومن فعل ذلك لا بد أن يكون عمله متقنا، وهذا هو  الذي نسميه (الإحسان).

 والذي يعمل وهو يشعر بمراقبه الله لا بد أن يكون عمله حسنا طيبا، وهي ناحية مهمة في الإسلام، لهذا نجد خطباء الجمعة يقولون في نهاية كل خطبة:(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان).

هذه هي المبادئ التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: الإيمان بالله، والمساواة بين البشر، والإيمان بكل الأنبياء، والكتب السابقة، والإحسان إلى كل المخلوقات, وهي المبادئ التي نادى وينادي بها المسلمون دائما وأبدا.

وتصوروا أن  الذين لم يؤمنوا بهذه المبادئ من عبّاد الأصنام وغيرهم منعوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ومنعوا المسلمين من نشر هذه المبادئ؛ لأنها تؤثر على مصالحهم, فهم يستفيدون ماديا من ادّعاء آلهة مع الله، ومن الطبقية، وادّعاء السيادة على البشر.

وكم بذل النبي صلى الله عليه وسلم من جهد لإقناع من حوله بهذه المبادئ، أو على الأقل أن يسمحوا له بتعليم هذه المبادئ للناس الآخرين، لكنهم منعوه وعذبوه وعذبوا أتباعه, فاضطر صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتلهم ليدافع عن نفسه وعن دينه وعن أتباعه، وكانت هذه بداية قصة (الجهاد) في حياة المسلمين، وهي أيضا وسيلة اتبعها كل الأنبياء السابقين لحماية دياناتهم وأتباعهم، وظّلت هذه الوسيلة إلى اليوم خيارا أخيرا نواجه به من أراد أن يعتدي علينا، أو يمنعنا من أداء رسالتنا.

هذا الذي نقوله بكلمات مستعجلة يحكي خلاصة تاريخ طويل عاشه الأنبياء والمرسلون والصالحون، لقد كانوا يحرصون على سعادة الناس في الدنيا والآخرة، وكان جهلاء يمنعونهم من أداء رسالتهم.

نحن نقرأ في القران الكريم أن فرعون كان يذبح أطفال بني إسرائيل الذكور ويبقي النساء من أجل أن  لا يظهر منهم من ينافسه في الملك، وتبقى النساء للخدمة  في البيوت، ولكن الله الرحيم يأبى ذلك، فخلّص بني إسرائيل على يد موسى عليه السلام، وصنع له المعجزات التي  حققت ذلك الإنجاز، ولكن مع الأسف صار بنو إسرائيل يعامِلون بالقسوة كلَّ من يتعاملون معه، فجاء عيسى عليه السلام يأمرهم بالرفق والتسامح، فرفضوا دعوته وحاولوا قتله، فنجّاه الله واضطر أتباع المسيح عليه السلام فيما بعد أن يقاتلوا لحماية أنفسهم.

وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالدين الإسلامي الذي يجمع كل محاسن الديانات السابقة في كتاب موثق حفظه الله من التغيير والتبديل، ومرة أخرى كان الأسف شديدا لأن البعض لم يقبل رسالة الله التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.

ونحن المسلمين كما نحب الأنبياء نحب الصالحين من أتباعهم، ونستفيد من قصصهم، فكلنا يعرف قصة عيسى عليه السلام عندما مرّ مع تلاميذه فوجدوا كنزا وإلى جانبه ثلاثة أموات، فأخبر تلاميذه أن هؤلاء وجدوا كنزا، فأرسلوا أحدهم ليأتيهم بطعام، فوضع لهم السمّ في الطعام ليكون له الكنز وحده، وهم صمموا في غيابه على قتله ليبقى الكنز لهم، فلما رجع قتلوه وأكلوا من الطعام فمات الثلاثة، وهكذا هي الدنيا، من أراد أن يأخذها بغير وجه حق فسيتركها رغما عنه بالموت أو بغيره، ويحاسب بعد ذلك على ما فعل.

ونحفظ قصة الرجل الصالح من بني إسرائيل الذي جاء له مجرم ليتوب أمامه فقال له: اذهب كي لا أتلوث بمعاصيك، فأوحى الله إلى نبي في زمانه، قل للعابد: يبدأ من جديد فقد حبط عمله بالتكبر، وقل للمجرم يبدأ من جديد فقد قبلت توبته وسامحته بما مضى.

ونحفظ عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان مسافرا مع أصحابه، فلاحظ طائرا يرفرف فوق رأسه, فعرف أن أحد أصحابه قد أخذ أفراخ هذا الطائر فقال:(من فجع هذه بأفراخها؟ ردّوا عليها أفراخها)

ونحفظ أنه صلى الله عليه وسلم مات ولده الصغير، وحدث أن كُسفت الشمس، فقال الناس: كُسفت لأن ابن النبي قد مات، فخطب صلى الله عليه وسلم الناس وقال لهم: (إنّ الشمس لا تكُسف لموت أحد)، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم دقيقا وأمينا في تبليغ رسالته، لا يريد من ورائها شيئا ولو مجرّد ثناء الناس.

وهكذا يجب أن نقتدي بالأنبياء والصالحين من أجل أن ننجوا في الآخرة كما نجوا،  ومن أجل أن يحبنا الله كما أحبهم، ويحبنا الناس كما أحبوهم.

وأخيرا... فإن للجنّة طريقا واحدة فقط؛ هي الإيمان بكلّ الأنبياء والمرسلين، من آدم عليه السلام، إلى محمد صلى الله عليه وسلم.