بيان في وجوب تعظيم المصحف الشريف

الكاتب : دائرة الإفتاء العام

أضيف بتاريخ : 13-06-2012


 

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، أما بعد:

فالقرآن الكريم هو كلام الله تعالى المعجز، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس، المجموع بين دفتي المصاحف، الذي أنزله الله تعالى ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور.

وأجمعت الأمة على وجوب تعظيمه وإجلاله، فإن تعظيمه من تعظيم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32.

والقرآن الكريم معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حبل الله المتين ونوره المبين، وقد أمرنا الله تعالى بالتمسك به، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) الأعراف/170. وتوعد الله تعالى المعرضين عن القرآن بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) طه/ 124-126.

ولهذه المكانة العظيمة التي حازها القرآن الكريم، فقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز تعريضه للإهانة، وأنه تجب صيانته عن الابتذال والامتهان، وأجمعت الأمة كذلك على أن من استخفَّ بالقرآن أو بالمصحف أو جحد شيئاً مما ورد فيه، أو حاول إهانته بأي فعل مهما كان؛ كَفَرَ. وأنّى لمسلم في قلبه مثقال ذرة من إيمان أن يفعل هذه الفعلة الشنيعة، وكيف تطاوعه نفسه على الإقدام عليها؟!

قال الإمام الشربيني الشافعي: "والفعل المُكَفِّر ما تعمَّده صاحبه استهزاءً صريحاً بالدين أو جحوداً له؛ كإلقاء مصحف - وهو اسم للمكتوب من كلام الله بين الدفتين - بقاذورة؛ لأنه صريح في الاستخفاف بكلام الله تعالى، والاستخفاف بالكلام استخفاف بالمتكلم، ويلتحق بالمصحف كتب الحديث" "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (5/ 431).

وقال القاضي عياض المالكي: "اعلم أنّ من استخف بالقرآن أو بشيء منه أو سبَّه أو جحده أو حرفاً منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك؛ فهو كافر عند أهل العلم بإجماع" "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/ 250).

وعلى من وقع بيده قرآن كريم أو شيء من القرآن إكرامه وإجلاله، ولا يجوز رميه أو إلقاؤه في القاذورات، فإنَّ هذا الفعلَ الشنيعَ يوقع صاحبه في الكفر، وأي إهانة أعظم وزراً من إهانة كلام الله تعالى؟!

والواجب على من وجد شيئاً مما كُتب عليه قرآن أن يعظّمه ويحفظه ولا يهينه، ولا بأس بدفنه أو حرقه حتى لا يتعرّض للأذى، ودفن رماده، أو رميه في البحر، بحيث لا تصل إليه الأقدام، قال ابن عابدين الحنفي: "وكذلك المصحف فليس في دفنه إهانة له، بل ذلك إكرام خوفاً من الامتهان" "حاشية رد المحتار" (1/ 192). ودليل الإحراق أن سيدنا عثمان رضي الله عنه أحرق المصاحف لما جمع الأمة على مصحف واحد.

ونحن ننصح الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات في نهاية العام الدراسي أن يعلموا أبناءهم وطلابهم احترام كلام الله تعالى، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأي شيء يتضمّنهما ككتب التربية الإسلامية، فلا يُعرِّضوها للإهانة بإلقائها في الطرقات أو تعريضها للامتهان.

وكذلك ننصح المسؤولين عن الدعايات والإعلانات والمنشورات وطابعي بطاقات الأفراح أن لا يُضمِّنوا منتجاتهم اسم الله عزّ وجل أو كلامه الكريم، أو اسم النبيّ صلى الله عليه وسلم أو حديثه الشريف؛ لأن ذلك قد يُعرِّضه للامتهان.

ونحن في هذا البلد العربي الهاشمي المسلم الذي ينتمي بقيادته إلى أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حري بنا أن نكون أكثر حرصاً على تعظيم كتاب الله تعالى وصيانته عن كل ما لا يليق به. والله تعالى أعلم.