دور الأسرة في مواجهة التطرف

الكاتب : المفتي الدكتور أحمد الحراسيس

أضيف بتاريخ : 13-06-2019


دور الأسرة في مواجهة التطرف

 

الأسرة هي الحصن الأول الذي يحول دون وقوع الأبناء ضحايا للتطرف والانحراف، وهي التي تقوِّمُ السلوك وتبني القيم والأخلاق، وتوجه العقول والأفكار، وتعلم الأبناء معنى الصواب والخطأ والحلال والحرام.

وعلى الرغم من تنامي دور المؤسسات الإعلامية والتعليمية في مجتمعاتنا المعاصرة؛ إلا أن مؤسسة الأسرة بقي لها التأثير الأكبر على حياة الإنسان فكراً وأخلاقاً وممارسة، ولكن رسالة الأسأسسرة تبقى مرتبطة بمدى تحقيقها لأسس التربية القويمة المستمدة من رسالة الإسلام السمحة التي تقي الأبناء أسباب الانحراف وتوفر لهم القدرة على مجابهة عوامل الفساد والوقوع في التطرف.

ويرتبط مفهوم التطرف بالغلو والتشدد وتجاوز الطريقة السوية في فهم القضايا والعمل بها، سواء تعلق الأمر بالدين أم بالدنيا، ولا يقتصر مفهوم التطرف على الدعوة إلى العنف والكراهية والتكفير والتجييش الطائفي، وإنما يتجاوز ذلك إلى كلّ دعوة للتفرقة والتمييز والإقصاء بين الناس، سواء كان على أساس ديني أم سياسي، وهي دعوة من شأنها تعميق النزعة الصراعية تجاه الآخر، وتضرب النسيج الاجتماعي، وتحول دون بناء علاقات إنسانية متكافئة بالحقوق والواجبات.

إن التربية الأسرية في الإسلام تنأى بأفراد المجتمع عن التطرف والغلوّ، بل تنشئ شخصية متكاملة ومتوازنة، فالأسرة هي المسؤول الأول عن تكوين شخصية الإنسان وأخلاقه، والتربية القويمة هي نتاج المودة والتراحم واحترام كل من الزوجين للآخر، والشعور بالواجب والمسؤولية لدى الوالدين عن ضخامة المهمة التي تنتظرهما.

ولا شكّ أن الأسرة المتفككة والبعيدة عن القيم الإسلامية يمكن لها أن تنتج أشكالاً متعددة من التطرف والانحراف السلوكي والنفسي والفكري، فقد يكون الأطفال الذين حرموا من الحنان والتوجيه الأخلاقي الصحيح، أو تعرضوا لتغذية تعمق وتجسد عدم الاعتراف بالآخر، بل تغرق في الأنانية وحب الذات، وتبني المفاهيم المنحرفة حول قضايا الإسلام المتعددة هم الأكثر عرضة لأشكال الانحراف والتطرف من غيرهم، وذلك نتيجة شعورهم بالتهميش والانفصال والشك في المجتمع وقيمه العليا.

إن التربية الأسرية الإسلامية هي التربية السوية، التي تؤسس لمجتمع إنساني متكافل ومتماسك، ويمثل الالتزام بالأسس والتوجيهات التي جاء بها الإسلام الطريقة الأمثل لمواجهة التطرف والتغلب عليه، ويظهر ذلك من خلال الجوانب التربوية التالية:

1. تعظيم قيمة الإنسان:

يؤكد القرآن الكريم أن قيمة الإنسان في إنسانيته ليست في انتماءاته العرقية أو الدينية أو الثقافية، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].

2. بناء التوازن النفسي:

وإذا كان الإحساس بالظلم والاضطهاد يمثل سمة أساسية في بناء الشخصية المتطرفة التي تعاني من عقدة الاضطهاد، فإن التربية الأسرية القويمة لا بد أن تقوم على التوازن النفسي وعدم الانجرار وراء الإحساس بالظلم، لأنه يؤدي إلى إشاعة الكراهية والرغبة بالانتقام.

3. بناء التفكير الموضوعي:

لا تقتصر التربية الأسرية على الجوانب الأخلاقية والسلوكية، وإنما تتعدى ذلك إلى الجوانب الفكرية، فالطفل يتعلم من والديه طرائق التفكير إلى جانب تعلمه إشكال السلوك والتصرف، سواء بوعي أو بدون وعي وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ومن أشكال التفكير الموضوعي:

أ. عدم إطلاق الأحكام على عموم الناس، سواء في القضايا الدينية أو الأخلاقية أو السياسية.

ب. الحدّ من التفسيرات الغيبية للأحداث والظواهر الاجتماعية، وتعليم الأبناء التفسير العلمي، وأن وراء هذه الظواهر أسباباً يمكن للعقل الإنساني فهمها وتعقلها، وأن هذا ليس مخالفاً للإيمان بالله، ولكنه واجب ديني بالإضافة إلى كونه ضرورة إنسانية ترتقي بالمجتمعات الإنسانية.

4. بناء المفاهيم الصحيحة الواعية:

تعتبر المفاهيم المغلوطة من أهم أسباب التطرف، خاصة ما يتعلق بمفهوم: (الولاء والبراء، الحاكمية، والبدعة وغيرها)، ويترتب على هذا الخلل المفاهيميّ عدم القدرة على التفريق بين الدين كمبادئ نظرية ونصوص مقدسة، وبين التدين كطريقة فهم وتطبيق يمارسها الإنسان على أرض الواقع، وينعكس هذا التفريق على فهم التباين بين ما ينسب إلى الإسلام من ممارسات تخالف قيم الإسلام وأخلاقه وبين الإسلام نفسه، وهذا يساعد الشباب على رفض الممارسات المتطرفة المنسوبة للإسلام، ويحول دون انجرارهم وراء الحركات المتطرفة، كما يحول دون تشككهم بقيم الإسلام وإنسانيته عندما تكون الرحمة والمودة هي أساس التربية وغايتها، فإنها تنعكس على طرائق التربية وأساليبها وسوف تكون نقيضاً للتطرف.