من آداب الدعاء وأحكامه

الكاتب : المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب

أضيف بتاريخ : 22-05-2019


من آداب الدعاء وأحكامه

الدعاء عبادة تُقرّب العبد من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه من خلاله يستشعر العبد في نفسه معنى العبودية والحاجة والافتقار، ويستحضر في الوقت نفسه ألوهية الله وقدرته وغناه سبحانه وتعالى، والشعور بفقر النفس، وغنى الخالق، هو ثمرة هذه العبادة بل هو المطلوب من كل عبادة، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدُّعاءُ هوَ العِبَادةُ) رواه أبوداود والترمذي. وورد أيضا: (الدعاء مخ العبادة) رواه الترمذي؛ لأن به تظهر خلاصة العبادة المتمثلة بافتقار العبد وعجزه، وغنى الرب وقدرته.

وقد وعد الله الداعين بأن يستجيب دعاءهم، فقال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة/186. وقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) سورة غافر/60

ولكن هذا الوعد الإلهي ليس على عمومه وإطلاقه، بل جاء في السنة المطهرة ما يخصصه ويقيّده، ومثال ذلك: أكل الحرام، والتعجل، والدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم، وعدم الحضور، وإليك بيانها:

أكل الحرام يحرم الداعي من الاستجابة، فعليه أن يحرص على أكل الحلال، فقد ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم (الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) رواه مسلم.

ثم على الداعي ألا يعجل بأن يستبطئ الإجابة فيقول: دعوت الله فلم يستجب دعوتي، وفي هذا سوء أدب مع الله تعالى، وظهور لضعف اليقين، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) متفق عليه.

كما أن دعوة المسلم لا ترد ما لم تكن بإثم أو قطيعة رحم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزَالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ مَا لَم يدعُ بإِثمٍ، أَوْ قَطِيعةِ رَحِمٍ) متفق عليه.

على الداعي أن يكون على يقين بأن الله تعالى سيستجيب دعاءه، وهذا يتطلب حضور القلب في الدعاء، مع الثقة الكاملة بالله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) رواه أحمد والترمذي. فالغفلة واللهو تحرمان العبد من الاستجابة.

وللدعاء آداب على الداعي أن يتحلى بها، ومنها:

أن يسأل العبد ربّه بجوامع الدعاء، مثل: اللهم إني أسألك العفو والعافية، اللهم اغفر لي وارحمني، واسترني، واجبرني، وارفعني، اللهم إني أسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، وغير ذلك، لقول أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها: كَان رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَسْتَحِبُّ الجوامِعَ مِنَ الدُّعاءِ، ويَدَعُ مَا سِوى ذلكَ. رَوَاه أَبو داود بإِسنادٍ جيِّد.

وأن يفتتح الدعاء بحمد الله والصلاة على نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يختتمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء في حاشية ابن عابدين: "وَرَوَى الْبَاجِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا دَعَوْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْعَلْ فِي دُعَائِك الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَقْبُولَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضًا وَيَرُدَّ بَعْضًا".

أن يستثمر العبد الأوقات المباركة التي ترجى الإجابة فيها وتكون الإجابة آكد، نحو ثلث الليل الآخر، وبعد الصلاة المكتوبة، ويوم الجمعة، وعند فطر الصائم، وفي سجود المصلي، وذلك يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِن ربِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم. وقد قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمعُ؟ قَالَ: (جوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ المكْتُوباتِ) رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ.

ألا يدعو الإنسان على نفسه أو ماله أو عياله؛ لأنه قد تصادف وقت إجابة، فيقع ما دعا به، فيندم على ذلك أشدّ الندم، ويتحسر على فعلته، قَال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (لا تَدعُوا عَلى أَنْفُسِكُم، وَلا تدْعُوا عَلى أَولادِكُم، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُم، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسأَلُ فِيهَا عَطاءً، فيَسْتَجيبَ لَكُم) رواه مسلم.

ويُسَنّ رفع اليدين بالدعاء في الصلاة وخارجَها، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين حديثاً صحيحاً في السنة، منها:

دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ به، ثم رفع يديه فقال: (اللهم اغفر لعبيد أبي عامر) ورأيت بياض إبطيه، فقال: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس) متفق عليه.

 وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم حيي كريم يستحى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا) رواه أبو داود والترمذي.

أما ما روى الشيخان "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه"، فمحمول على أنه لم يرفع الرفع البليغ الذي شاهده راوي الحديث إلا في الاستسقاء. أو أن الراوي بالفعل لم يره إلا في ذلك الموقف، لكنّ غيره رآه يرفع يديه بالدعاء، فتقدّم رواية المثبت على النافي.

ويجوز الدعاء بطول العمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا به لأنس، فعن أنس رضي الله عنه قال: دعا لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: (اللهم أكثر ماله، وولده، وأطل حياته) الموطأ.

وقيّد بعض العلماء الندب بالدعاء بطول العمر لمن في طول عمره نفع للمسلمين، أما إن كان نفعه قاصراً، فهو أقل من الأول، أما من عدا هذين فقد يصل الأمر للكراهة أو التحريم إن كان بضدّ ما ذُكر.

ومعلوم أنّ أجل الإنسان لا يقدّم ولا يأخر، وأن عمره لا يزيد ولا ينقص، لكن تظهر فائدة الدعاء بطول العمر، في جواز أن الله تعالى قدّر أن فلاناً عمره أربعون، فإن دعا لنفسه أو دعا له شخص ما بطول العمر، يُزاد حتى يصير خمسين، فالدعاء سبب من جملة الأسباب الإيمانية، ولا يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر.

ويجوز الدعاء برفع الوباء والمرض والبلاء؛ لأنه قد يكون من جملة الأسباب في رفع البلاء، وحصول العافية والسلامة. وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة من الجنون والجذام وسيء الأسقام ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، ثم فيه خضوع وتذلل لله رب العالمين، وليس فيه اعتراض على القضاء والقدر.

والاستجابة للدعاء لها أشكال مختلفة: فإما أن يستجاب لمطلوبه كما طلبه، أو أحسن منه، أو أن تدّخر دعوته إلى يوم القيامة، أو أن يكفّر عنه بها من سيئاته.