الاقتصاد الإسلامي

الكاتب : المفتي الدكتور صفوان عضيبات

أضيف بتاريخ : 17-04-2019


الاقتصاد الإسلامي (مقدمة تعريفية)

في ظل الأزمات المالية التي تضرب اقتصاد الدول بين الحين والآخر، ومع هبوط أسهم الاقتصاد الرأسمالي في الآونة الأخيرة، إضافة إلى فشل الاشتراكية وسقوط الشيوعية في أواخر الثمانينيات، تتعالى صيحات متضاربة:

الأولى: تدعو إلى تطبيق نظام اقتصادي إسلامي، يحيط بالكليات والجزئيات، لا يميز بين طبقة وأخرى، يتأرجح بين ثبات الأصول الكلية، ومرونة تطبيق الفروع الجزئية، وبالتالي فهو نظام شامل للجنس البشري، يستمد شموليته من صلاح الشريعة الإسلامية للتطبيق في كل زمان ومكان.

الثانية: تدعو إلى تطبيق النظام الاقتصادي الأصلح للبشر بحسب ما تتفق عليه الدول، سواء كان نظاماً رأسمالياً أو اشتراكياً أو مختلطاً، ولا يوجد في حقيقة الأمر ما يسمى بالنظام الاقتصادي الإسلامي، إنما هي مجرد وجهات نظر اجتهادية تحاول تحميل النصوص الشرعية ما لا تحتمل، وتجارب مصرفية محدودة لا ترقى لأن تسمى نظاماً اقتصادياً، علاوة على فشلها في إيجاد حلول تنموية شاملة.

فما مفهوم الاقتصاد الإسلامي، وما مدى صحة وجود نظام اقتصادي إسلامي، هذا ما سنحاول تجليته في هذه السطور:

الاقتصاد لغة: من القصد، والقصد في الشيء الأمر الوسط بين الإفراط والتفريط، ومنها رجل قَصْدُ ومقتصد (المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده 6/186)، وعليه فالاقتصاد لغة بمعنى التوسط في الإنفاق.

والاقتصاد في الاصطلاح بمعنى: "علم يبحث في كل ما يتعلق بالثروة والمال والتكسب والتملك والإنفاق، ومسائل الإنتاج والاستثمار، ومسائل الانتفاع والخدمات، ومسائل التوفير والادخار، ومسائل الغنى والفقر" (المعجم الاقتصادي الإسلامي للدكتور أحمد الشرباصي ص36).

وبعيداً عن فذلكة التعاريف وتزويق المصطلحات، وبعد اطلاع يسير على تعاريف العلماء المعاصرين للاقتصاد الإسلامي نخلص إلى النتائج الآتية:

أولاً: إن شريعة الإسلام الخالدة، والصالحة لإصلاح كل زمان ومكان، يستحيل أن تخلو من أصول عامة، وقواعد ضابطة، لمباحث علم الاقتصاد من ثروة ومال واستثمار وإنتاج، وغيرها ...، لأنها أمور مهمة تتعلق بثمرات الاستخلاف البشري، فبها تستمر الحياة وترتقي، وبغيرها يعيش البشر حياة الغاب، ويسلكون طريق الفناء، بل هذه المباحث الاقتصادية من مقتضيات كمال الشريعة الإسلامية التي قال الله عنها في محكم كتابه الكريم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

ثانياً: إن بيان عظمة شريعة الله تعالى ومدى شموليتها لنواحي الحياة المختلفة تأصيلاً وتفريعاً، ومن هذه النواحي مفردات علم الاقتصاد، وما به قوام البشرية من تعاملات مالية مختلفة، لَيُعد باباً عظيماً من أبواب الدعوة إلى الله، بل هو الدعوة إلى الله على بصيرة ومعرفة، وإيجاد علماء مختصين في الاقتصاد، يدركون دقائق هذا العلم وتفاصيله المستجدة بجوانبها الشرعية والقانونية والفنية المتخصصة، ويخرجون الفروع على الأصول، في ظل معرفة علمية وخبرة عملية تؤهلهم للفتوى والاجتهاد المنضبط، وللفهم الصحيح تحت جناح الملكة الفقهية، فذلك واجب كفائي تأثم الأمة جميعها بتركه.

ثالثاً: إن القواعد العامة والأصول الكلية في الشريعة الإسلامية هي الدستور العام الذي يستند له في تقرير المسائل وبناء الأركان، والحكم على الفرعيات والجزئيات، "فالسياسة الاقتصادية في الإسلام سياسة إلهية من حيث أصولها، ووضعية من حيث تطبيقها" (ذاتية السياسة الاقتصادية الإسلامية وأهمية الاقتصاد الإسلامي للدكتور محمد شوقي الفنجري ص18).

وبالتالي نجد أصول السياسة الاقتصادية في نصوص كثيرة من القرآن الكريم، مثل قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا ميتة فهي له".

فهذه الأصول العامة قامت عليها نظريات اقتصادية تصلح لأن تكوّن نظاماً اقتصادياً عادلاً شاملاً يصلح شؤون البشر.

رابعاً: نخلص إلى أن الاقتصاد الإسلامي هو "علم يبحث في كل ما يتعلق بالثروة والمال والتكسب والتملك والإنفاق، ومسائل الإنتاج والاستثمار، ومسائل الانتفاع والخدمات، ومسائل التوفير والادخار، ومسائل الغنى والفقر في ضوء الأصول الشرعية، والقواعد الكلية، والمنظومة القيمية في الإسلام".