الإرهاصات التي سبقت بعثة النبي

الكاتب : المفتي باسم القضاة

أضيف بتاريخ : 22-02-2011


 

يقول الله تعالى:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الجمعة/2.

في كل عام تمر بنا ذكرى ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم ميلاد النور الذي بدّد الظلمة، وميلاد النبع الذي صدع في الصحراء القاحلة فأشاعها خضراء يانعة، ميلاد الروح الذي أحيا نفوسًا كانت ميتة، وهي بعيدة عن الهدى والحق.

والحديث عن جوانب العظمة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم يعسر على المتحدثين والخطباء؛ فهو بمثابة من يبحث عن خاتم في صحراء شاسعة، لكن "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، ورضي الله عن خالد بن الوليد الذي قال عندما سئل: صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أتريدون أن أطيل أم أقصر؟ فقالوا له: بل أقصر. فقال: هو رسول الله، والرسول على قدر المرسل.

ولنستعرض جانبًا من الإرهاصات والدلائل على نبوته صلى الله عليه وسلم، ونبدأ بالتي حصلت عند مولده صلى الله عليه وسلم:

فمما حصل إبان مولده ارتجاج إيوان كسرى فارس، وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وهو ما أُوِّل بسقوط أربعة عشر ملكًا من ملوكهم، فسقط عشر منهم في أربع سنوات، وأربعة سقطوا في عهد الفتح الإسلامي، كذلك خمدت نار فارس التي لم تخمد منذ ألف سنة.

ومن الإرهاصات ما حصل له صلى الله عليه وسلم عندما كان مسترضعًا في آل حليمة، حيث تتحدث حليمة أنها لما عُرض عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية أعرضت كما أعرضت بقية المراضع لأنه كان يتيمًا، وما عسى أن يأتي من وراء اليتيم. ولما لم تجد ما تأخذه عادت وحملت هذا اليتيم، وما إن حملته حتى أقبل عليها ثدياها بالحليب، وإذ بناقتها التي لم تكن تحلب منذ زمن إذا بها حاقل أي مليئة بالحليب، فقال لها زوجها: تعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة. ثم تقول حليمة: ثم خرجنا وركبت أتاني (أنثى الحمار) وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لم يقدر عليها شيء من حمرهم حتى إن صواحبي قلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟! فقلت لهن: بلى والله إنها لهي هي. فقلن: والله إن له لشأنًا!!

ومن الإرهاصات ما حصل له صلى الله عليه وسلم وهو عند آل حليمة من حادثة شق الصدر حيث تقول حليمة: إنه لفي بهم لنا مع أخيه خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقّا بطنه. قالت: فخرجت أنا وأبوه -أي زوج حليمة- نحوه فوجدناه قائمًا منتقعًا متغيرًا وجهه، فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا له: ما لك يا بني؟ قال: جاء لي رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني فالتمسا فيه شيئًا لا أدري ما هو.

ومن الإرهاصات اعتراف بحيرا الراهب بنبوته، ووصيته عمه أبي طالب به، وأن يحذر عليه اليهود.. فلقد خرج صلى الله عليه وسلم مع قومه وهو في الثانية عشرة من عمره، وكان بحيرا الراهب علمًا في تلك المنطقة لعلمه وفضله، وأطل من صومعته ورأى ركبًا وهناك غلام تظله غمامة ولم يكن يرى هذا المشهد من قبل، فعمل لهم وليمة ودعاهم إليها، ولم يكن يعبأ بهم من قبل، فلما حضروا لم يحضر الغلام محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسل في طلبه، ولما حضر تفرسه وسأله عن خاتم النبوة الموجود على ظهره فعرف عند ذلك أنه هو النبي المبشر به في التوراة والإنجيل، فأوصى به عمه أبا طالب خيرًا، وحذره من أن يغتاله اليهود.

ومن الإرهاصات في شبابه حماية الله له من أن يحضر منكرًا، فقد سمع يومًا عزفًا بالمزامير والدفوف، فهمّ أن يذهب ويحضر ذلك العرس فنام ولم يصح إلا على حرارة الشمس من اليوم التالي.

ومن الإرهاصات سلام الشجر والحجر عليه صلى الله عليه وسلم عندما كان يسير في مكة (المعجم الكبير للطبراني ج2/ 351).

ومن مظاهر الكمال المحمدي أنه لم تكشف له عورة قط، فيُروى أنه كان يشارك بني قومه في بناء الكعبة وكان قومه يرفعون أزرهم على عواتقهم يتقون بها ضرر الحجارة، وكان هو يضع الحجارة على عاتقه وليس عليه شيء، فرآه عمه العباس رضي الله عنه فقال له:لو رفعت من إزارك على عاتقك حتى لا تضرك الحجارة. ففعل صلى الله عليه وسلم فبدت عورته، فوقع على وجهه فوق الأرض ونودي: "استر عورتك". أي:ناداه ملك، فما رؤيت له بعد ذلك عورة أبدًا.

ومن مظاهر الكمال: أن الله بغّض إليه الأوثان وكل أنواع الباطل وما كان يأتيه أهل قريش من الغناء وشرب الخمر حيث ورد عنه صلى الله عليه وسلم:(لما نشأت بغّضت إلي الأوثان، وبغّض إلي الشعر، ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين كل ذلك يحول الله تعالى بيني وبين ما أريد من ذلك، ثم ما هممت بشعر بعدهما حتى أكرمني الله برسالته...)(الشفا للقاضي عياض ج1/ 8).

ولا شكّ هذا إنما كان لحماية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من كل مسيء إلى مقامه السامي ومنزلته العالية.

ومن الإرهاصات ما ورد عن ميسرة لما خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة تجارة خديجة بنت خويلد إلى الشام أنه رأى ملكين يظللانه من حر الشمس إذا اشتدت الهاجرة، كما أنه صلى الله عليه وسلم نزل تحت ظل شجرة قريبة من صومعة راهب، فرآه الراهب، فسأل ميسرة عنه فقال له: هو رجل من أهل الحرم قرشي. فقال له الراهب: إنه ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.

ومن الإرهاصات الرؤيا الصادقة قبيل مبعثه، حيث كان لا يرى رؤيا في ليله أو نهاره إلا جاءت مثل فلق الصبح. فيروى عن عائشة رضي الله عنها أنه أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة حيث كان لا يرى رؤيا في نومه إلا جاءت مثل ما رأى كفلق الصبح. قالت: وحبب إليه الخلوة، فكان يخلو بغار حراء يتحنث؛ أي يزيل الحنث عنه، وهو ما يراه أو يسمعه من الشرك والباطل بين أفراد قومه من قريش.

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير من مظاهر الكمال البشري التي سبقت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

 المراجع:

1.صحيح الإمام البخاري.

2.مسند الإمام أحمد.

3.المعجم الكبير، الطبراني.

4.الشفا، القاضي عياض.

5.محمد الحبيب صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الجزائري.

6.نور اليقين، محمد الخضري.